Sunday, December 23, 2018

الصراع من أجل البقاء

            آآآه ... تنهيدة طويلة و عميقة أطلقها في ساعات الصباح الباكر حيث تشير الساعة الآن و أنا أكتب هذه الكلمات إلى قرابة الثالثة فجراً و الهدوء هو السمة الأبرز للمكان من حولي. و لا أسمع سوى صوت صرير الرياح المرعب خارج المنزل و كذلك لا توجد أثناء هذه اللحظات إلا أنغام عزف البيانو الهادئ, مستمعاً إليه عبر الراديو.
            قررت الكتابة و نحن في الثالث و العشرين من ديسمبر العام 2018 و العام الميلادي الجديد يقترب شيئاً فشيئاً.
            نعم, إنه العام 2019 و العمر يتجه إلى الدنو و أنا على بوابة الثلاثين من العمر.
            في هذه اللحظات و أنا لازلت على إصراري القديم بأن عمري الحقيقي هو الثامنة عشر أو العشرين من العمر و ليس الثلاثين, لازلت أصارع صراع البقاء من أجل الهرب من النهاية.
            نهاية هذه القصة التي بنيتها و ناضلت لأجلها ذلك النضال الشديد حتى أبدو قوياً أمام الناس.
            صحيحٌ أن العمر ليس بالأرقام. لكن ما أؤمن به حقيقة هو ما هي منجزاتك خلال هذا الطريق الطويل الذي قطعته و عاصرته بكل تفاصيله؟
            دائماً في هذه الأيام من نهاية العام الميلادي و خصوصاً أنني بدأت هذه العادة منذ العام 2014, أتذكر حينا القديم و الذي قضيت فيه طفولتي و مراحل مراهقتي. ثم أنتقل بعد ذلك إلى السنوات القليلة التي عشتها في منزلنا الجديد و كنت و لازلت حتى اليوم أشعر بأني كنت زائراً خفيفاً في ذلك المنزل. حيث الذكريات فيه لا تزال باهتة بلا مشاعر. و من بعد ذلك أتت مرحلة الاستقلال عن العائلة و السفر إلى خارج البلاد من أجل إثبات هويتي هناك.
            و حين عدت مجدداً و أنا خائب الأمل بشكل كلي, قررت الاستمرار في هذا الصراع و هذا النضال هنا في وطني و بين أهلي. و مع ذلك كنت أشعر بالغربة و أنا بينهم.
            نعم, هذا هو الشعور الحقيقي الذي كان مشتعلاً بداخلي منذ عودتي من بلاد الغربة حتى يومنا هذا.
            في الحقيقة يا أعزائي القراء, لقد كنت أشعر كأني شخصٌ أجنبي تم جلبه من الخارج و ذلك بتأشيرة عامل.

            أبكي؟ ... سؤالٌ صعب و لا أستطيع شرحه أو إيصال شعوره إليكم. خصوصاً حين تنتقل إلى مدينة أخرى لظروف العمل ثم تجبرك الحياة على العودة إلى مسقط رأسك من أجل حضور فعالية ... تعتقد و بشكل جازم أنها الفعالية الأنسب لإثبات نفسك.
            لكن أمام مَنْ؟
            أمام من دفعوا بمشاعرك و أحاسيسك للشعور و الإحساس بأنك مجرد عضوٌ زائد في هذه الحياة. أو لنقل بتعبير آخر ... أنك إصبع زائد و لا حل مع هذا الإصبع سوى البتر.
           
            ألم أقل لكم أنه صراع من أجل البقاء !!!
            أن تصارع وحيداً و لا يستمع إليك أثناء بناء خططك أو مهام أعمالك سوى جدران صامتة لا حيلة لها سوى الإنصات.
            بالطبع هناك أصدقائي و المحبين من حولي و كذلك جمهوري العزيز ممن يدعموني و يشجعوني دائماً على السير بخطى واثقة و ألا أقلق من شيء.
            لكن أكاد أرى نفسي كربان سفينة, يقودها وسط بحرٍ هائج و الأمواج تتلاطم بالسفينة من كل حدب و صوب. و الركاب من خلفه يشجعوه و يدعموه حتى لا تنكسر عزيمته و يصل بهم إلى بر الأمان. ثم بعد الوصول إلى الأرض بكل سلامة و عافية, يكون الكل هناك في اشتياق لاستقبال قريبه أو أخيه أو زوجته أو حتى أبنائه و الاطمئنان عليهم بعد النجاة من هذه العاصفة المدوية و ذلك بفضل من الله عزوجل ثم بفضل هذا الربان.
            و أما الربان فهو يحمل حقيبته و يسير وحيداً ... راسماً ابتسامة مزيفة أمام الحاضرين الذين يهتفون لشجاعته و بسالته في إنقاذهم من الموت.
            و في خطوات هذا الربان و هو يسير وحيداً نحو منزله فإنه يعلم يقيناً بأن لا أحد سيطمئن عليه, بل سيعود و في صمت إلى ذلك السرير المريح في غرفة نومه من أجل الاستلقاء و الاسترخاء بعد أن كانت حياة مجموعة من البشر على المحك.
            مع أن البعض من حولي و ممن يقدمون لي النصيحة ( مشكورين على ذلك ) يعتقدون بأني شخصٌ واهم و أني أعتقد بداخلي أن وجودي على هذه الأرض هو بمثابة طوق النجاة للبشرية. على الرغم من عكس ذلك, فأنا أشعر بغربة شديدة جداً و لا أعلم إلى أين المصير بعد ذلك.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Tuesday, December 11, 2018

الخذلان

            استيقظت متأخراً هذا المساء و كانت الساعة تتجه بعقاربها نحو التاسعة تماماً.
            نهضت و الكسل يرهقني كثيراً و شعرت بأن جسدي عبارة عن صفيح ساخن من الألم الشديد.
            نعم , نهضت من هنا ثم توجهت لكي أغسل وجهي من آثار النوم. و أما خطوتي التالية بعد استعادة نشاطي هو تفقد المنزل و الاطمئنان على أحوال أسرتي. حيث أن أبي كعادته لا يعلم عن أحوالنا و قد أوكل مهمة الاهتمام بالمنزل إلى أمي. و أما أمي فقد كانت تنتقم من أبي و تصرفاته و لهذا لم تكن تقوم بدورها كدار للأمان و الاطمئنان.
            لقد اعتدت أنا و أخوتي الأربعة على هذا الخذلان الكبير منهم و في الحقيقة أنا أيضاً لم أعد أهتم لأمرهم و لم أعد أحرص على تفقد أحوالهم. حيث أن جل اهتمامي هو رعاية أخوتي و مساعدتهم في دروسهم اليومية.
            لم أكن أعي ذلك القدر الكبير بكلمة والدين و مع هذا فأنا لم أتجاوز تلك الخطوط الحمراء الخاصة بهم.
            أعي جيداً بعد أن أصبحت في الخامسة و العشرين من عمري معنى الخذلان جيداً. و لهذا أصبحت أكثر حساسية من المحيطين بي و من المجتمع بأكمله.
            لقد دفعتني هذه التجربة المريرة إلى زيادة وحدتي و ابتعادي عن الآخرين أكثر من السابق.
            و في بعض الأحيان أفكر في أولئك الأيتام الذين فقدوا والديهم و المقدرة الكبيرة التي يملكونها على تجاوز حقيقة وحدتهم البريئة في هذا العالم.
            ربما استطاعوا ذلك لأن هذا أمر ليس باختيارهم أو اختيار والديهم الذين رحلوا. بل هو اختيار القدر.
            و هنا تتجلى رحمة الله عزوجل بأن يكون هؤلاء الأبناء شفعاء لوالديهم وذلك بكثرة الاستغفار لهم و أيضاً ربما تكون و بطريقة غير مباشرة رحمة للوالدين بالابتعاد عن أبنائهم.
            إذا محصلة الأمر أن ما حدث لم يكن باختيارهم. لكن ما حدث معي و مع أخوتي لم يكن إلا باختيارهم أنفسهم و أنها حرب انتقامية بين الطرفين و ضحيتها نحن الأبناء.
            الذي وصل الأمر بي إلى سؤال نفسي ( لماذا حضرت إلى هذا العالم ؟ )
            إذا كان شعوري أن العالم الداخلي و هو منزلي, يرفضني و أن العالم الخارجي لا يهتم لأمري لأن لديه ما يكفي من المشاكل الله وحده أعلم بها ... إذا لماذا أنا هنا ؟ 
            إنها تجربة مريعة أن تعيش هذا النكران في الحياة و أن ترى هذا الخذلان العميق من أشخاص تحبهم و تكن لهم الكثير من الاحترام و التقدير.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم 

Saturday, November 3, 2018

أن تكون متفائلاً

You know brother,
There is always a spot of optimism in each step that we decide to move forward
و لهذا علينا أن نكون متمسكين و بقوة في هذه البقعة الجميلة حتى و إن كانت صغيرة في أعيننا لكن حتماً سيكون لها وقع و أثر رائع جداً في حياتنا اليومية مع جميع الأشخاص من حولنا
أن تكون متفائلاً لابد بالضرورة أن تكون إيجابياً قبلها. لأن المتفائل يرى النور دائماً في كل شيء من حوله. و لا يريد لهذا النور أن يبقى محصوراً لدى فئة معينة أو جماعة من البشر  بل يريد أن ينتشر هذا الضوء و هذه الإثارة الممتعة في كافة أرجاء الكرة الأرضية
و عليك أن تعلم عزيزي القارئ، أن الشخص المتفائل يواجه الأخبار السيئة سواء كانت كالطوفان المدمر أو كالموج العابر بكل احترافية و ذكاء و لا يسمح هذا الشخص لمزاجه العام أن يتعكر أو أن يصبح سيئاً فقط لمجرد سماعه لهذه الأخبار
و من مميزات الشخص المتفائل الرائعة أنه يقدم الحسنة دائماً قبل السيئة. و أنه يقدم حسن الظن كثيراً قبل الاعتقاد بسوء الظن و السوداوية المعتمة في اتخاذ القرارات.
أعتقد و من وجهة نظر شخصية أن الشخص المتفائل يكون كالشاخص الصنديد في وجه الأعاصير و الرياح العاتية و المدمرة و ربما الفيضانات الساحقة و التي تزيل كل شيء في طريقها بلا أي رحمة أو تودد أو حتى نظرة شفقة لهذا الإنسان المتفائل
لكن ، أليس الشخص المتفائل إنسان و بشر مثلنا يحزن و يسعد و تكون أحواله متقلبة؟
في الحقيقة ... الشخص المتفائل هو إنسان مثلنا يأكل و يشرب و يسعد و يفرح و يبكي و يحزن كحالنا تماماً. لكن المميز في الشخص المتفائل هو قدرته العجيبة في إخفاء هذه المشاعر السلبية و محاولة عدم إظهارها بشكل مباشر أمام العلن. بل كما قلت بالأعلى أنه متحكم بارع و ذكي جداً في طريقة التعامل مع جميع الأحداث من حوله سواء كانت أحداث سعيدة أو أحداث حزينة.
و بالتأكيد كل التأكيد أن هذا الشيء لا يولد مباشرة مع ولادة الإنسان أو منذ إدراكه لوقائع هذه الحياة. لكن كل شيء يأتي بالتدريب المكثف و التعود باستمرار على البقاء بشكل إيجابي و كبح أي تعابير حزينة أو متأففة من أثر وقع أي خبر سيء قد يسمعه من هنا أو من هناك.
و هنا تأتي رغبة هذا الشخص في أن يكون متفائلاً و إيجابياً و جاذباً لمحيط من حوله من الأشخاص التعساء و البؤساء و الذين يهيمون في هذه الأرض كالأحياء الأموات و تحويلهم إلى أشخاص فاعلين في مجتمعهم و أشخاص متفائلين و سعداء و إيجابيين، أو أن يقرر البقاء جباناً و خائفاً و منزوياً خلف جدار السلبية و التأفف المستمر من حياته.
أعتقد أن الإنسان سيختار الجانب الذي يناسبه و الذي يرى أنه سوف يكون مبدعاً كثيراً في إتقانه و سيقدم الكثير من أجل إبرازه للعالم حتى و لو كان جانباً سلبياً و سيئاً و معتماً بالسواد
في الحقيقة أنا أشجع الإنسان أن يكون متفائلاً و إيجابياً، لكن ليس على حساب نفسه و جسده و روحه. بل عليه أن يحمل نفسه ما تستطيع فقط. فإن لم تستطع أن تكون متفائلاً فحاول قدر المستطاع أن لا تجذب غيرك نحو بقعة السواد و الظلام الحالك.
هي ليست إملاءات أمليها على البشر و لكن هي دعوة بسيطة لكل شخص من حولي أن يجرب مرة تلو أخرى حتى يصل إلى قناعة التفاؤل و الإيجابية في حياته.
أخيراً، أريد أن أختم هذه المقولة الرائعة بنصيحة مهمة قد تستخدمها عزيزي القارئ في أي وقتٍ تشاء
"احرص دائماً على رؤية النور في كل شيء من حولك حتى و إن كان صغيراً في نظرك، و ابتعد تماماً عن رؤية الظلام أو الرؤية السوداوية في كل شيء من حولك"
محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم  

Thursday, October 25, 2018

من هذا الغريب ؟

            حين نولد في هذه الحياة نكون غرباء في أعين البشر. لا أحد يعرفنا أو أن يعلم ما هي نوايانا الداخلية على الرغم من صفاء ذواتنا الداخلية من أي حقد دفين أو كره تجاه الآخرين.
            ثم تمضي بنا الأيام حتى نمشي على أقدامنا و نبدأ في السير نحو المجهول .... السير نحو أشخاصٍ آخرين غرباء عنا. لا نعلمهم و لا يعلمون عنا أي شيء. و لكن القاسم المشترك هنا هو أن كل واحدٍ منا واثقٌ بنفسه و عالمٌ لما بداخله من أفكار و معتقدات و أيدولوجيات نحو الأرض من حوله و البشر و الشجر و الكائنات الحية.
            و هنا يأتينا الخوف المجنون من أن نفتح قلوبنا لهؤلاء الغرباء من حولنا. و الخوف يكمن في تدنيس أو تشويه لما بداخلنا و الذي قد يحدث بسبب الاتصال مع الآخر.
            يقال و العلم عند الراوي أن القوة تجذب القوة و أن لكل فعل ردة فعل أخرى و أن البيئة المحيطة بالإنسان تؤثر عليه بشكل إيجابي أو سلبي. و لهذا فإن الذوبان في حياة الغريب و الانصهار رويداً رويدا في حياته تبدأ مع إلقائك كلمة ( مرحبا ) في بداية اللقاء.
            و لهذا أخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه و سلم بأن الأرواح جنودٌ مجندة ما تآلف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف. و من هنا تنطلق مسيرة مجهولة مع هذا الغريب و الذي إما أن تتآلف أرواحنا معهم أو ربما تختلف.
            و إذا تآلفت الأرواح فإنها تبدأ في الاندماج و تبادل الأفكار و الرؤى فيما بينها ثم يصبح هذا الغريب هو من أعز أصدقائنا.
            لكن السؤال هنا:- هل نضع كامل ثقتنا في هذا الغريب كما كنا و نحن أطفال و غرباء عن الآخرين كامل ثقتنا فيمن حولنا و هي ثقة عمياء مطلقة و خصوصاً والدينا؟
            الحقيقة أن الإنسان كلما يكبر تصبح علاقته مع الحياة طردية. فحينما يكون الإنسان طفلاً جاهلاً بالعالم من حوله تكون ثقته بالغرباء عالية. و تبدأ في التناقص تدريجياً مع كل تجربة فاشلة و مع كل خيبة أمل و كذلك كل صدمة عمر في حياته.
            حتى تصل في بعض الأحيان إلى الانعدام و تفضيل حياة الوحدة و العزلة عن الآخرين.
فكلما زاد وعي الشخص و رجاحة علمه و رأيه و أصبح عالماً بنفسه و مدركاً لتصرفاته و ردة فعله كلما انخفضت ثقته بالغرباء مع التقدم في السن.
            و لهذا فإني أعتقد و الله أعلم أن على الإنسان استخلاص درسٍ واحد مع كل تجربةٍ فاشلة أو خيبة أمل و وضعها في قاموسه كنتيجة اختبارٍ شخصي لا نقول أنه رسب فيه و لكن لم يستطع اجتيازه.
            و حين يهتم أكثر بهذا القاموس و يقوم يوماً بعد يوم بتحسينه و الاهتمام به, فإنه سيصل إلى قناعة كبيرة بأن البشر ليسوا سواسية و إنما أنت في حاجة ماسة و مهمة لكي تقوم ببرمجة عقلك و التحكم بشكل أكبر في ردات فعلك.


محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب
#إبتسامة_قلم

Tuesday, September 25, 2018

أخشى النظر إلى المرآة

في بعض الفترات من حياتنا هناك لحظات مرعبة و من وجهة نظري الشخصية أن أكثرها رعباً هو النظر في المرآة و الإطالة في النظر كثيراً. فالمرآة هي انعكاس بسيط عما داخلنا من ذكريات و أفراح و آلام و أحزان و طفولة مشاغبة و شقية.
و في بعض الفترات الأخرى نخشى الاستماع إلى صوت موسيقى معينة أو صوت ذكرى معينة لأنها أيضاً كالمرآة تعكس عما بداخلنا و عما تخبئه ذواتنا أو ربما قمنا بإخفائه رغماً عن أنفسنا.
أعتقد أن المرآة هي وحش مفترس يجلس صامتاً في داخل منازلنا و ينتظر تلك اللحظة التي تدفعنا رغماً عن أنفسنا لتحطيم كل ما حولنا, حتى لو كان الثمن هو تحطيم العلاقات مع الآخرين.
و لهذا فإن الخوف من النظر إلى المرآة ليس بسبب ضعف الثقة بأنفسنا بل بما تقوم به هذه المرآة من تحريكٍ لجزيئات أدمغتنا و دفعها للتحرك بشكل سريع بل ربما أسرع مما نحتمل حتى نصل إلى تلك المرحلة الصعبة و التي تشبه مرحلة انفجار قدر الضغط ثم نصرخ بشكل غاضب في وجه أنفسنا أمام المرآة حتى لا نستمع إلى ذلك الصوت الخفي الذي يحرض ذواتنا على الانهيار و الاستسلام بشكل سريع.
نعم, أنا أخشى النظر إلى المرآة و لكن هل هذا يعني الاستسلام أمام هذا الوحش المفترس الذي ربما يعكس جزءاً قبيحاً من أنفسنا و الذي لا نريد أبداً الاعتراف به أو على الأقل إظهاره أمام الجميع.
لا أعتقد أن من الصواب هو البقاء خائفاً هكذا من أجل رؤية صورة منعكسة عن أنفسنا سواء أعجبتنا أم لم تعجبنا. ففي الأخير إن التغيير الكبير هو بأيدينا حتى لو لم نكن نعترف بهذا الجزء القبيح من ذواتنا. و الأهم علينا ألا نستمع إلى صوت الانهزام و الانكسار التي تصدره تلك المرآة الحمقاء. فمهما فعلت من تحريض ضدك أو على الأقل قامت بوصفك بأبشع الأوصاف, فكل ما عليك فعله هو دراسة الجانب الإيجابي من هذه النظرات
و لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن لا نقوم بوضع المرايا في منازلنا و أماكن عملنا و لكن جل ما علينا فعله هو كيف أن نتعامل بفراسة. و أن لا ندع أي مجال لكي يدخل ذلك الوسواس اللعين إلى ذواتنا و يدفعنا إلى الانهيار.
أيضاً, علينا مقاومة الخوف من أصوات المرآة حتى و إن كانت دائماً تحرض ضد أنفسنا و تدفعنا دائماً إلى فعل أي شيء أحمق لا يناسبنا.
بكل بساطة عد إلى واقعك الحقيقي و تأكد أن هذه المرآة مجرد جماد من الجمادات و لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تدفعك إلى ارتكاب أي حماقة أو أي عملٍ مجنون قد تندم فيما بعد على فعلتك هذه.
و حاول كثيراً أن تخبر تلك المرآة أنك إنسانٌ رائع و مثالي و لا تحتاج إلى أي شهادة من أي كائنٍ كان من أجل إخبارك بقيمتك و حقيقتك و ما أنت عليه في أرض الواقع.
اجعل الثقة مكانها في قلبك دائماً و لا تعر تلك المرآة الخبيثة أي اعتبار. دعها تقول لك ما تقول و اتركها تهمس لك حتى لو كان صوتها مزعجاً في أذنك, لكن ذلك أفضل بكثير من أن تدع تركيزك و قواك الداخلية و الخارجية كلها مع تلك المرآة.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
{ كاتب & محاسب }
#إبتسامة_قلم

Saturday, August 18, 2018

الأسرة ... و طن آمن

الوطن أيضاً عبارة عن أسرة آمنة مطمئنة.
            ربما يختزل البعض الوطنية في مسار ضيق جداً و يجعلها في حدود الأرض الشاسعة من حوله و في حدود حصوله على وظيفة آمنة. لكن أيضاً الوطن هو أسرة آمنة مطمئنة تحيطك بكل أنواع الحب و الحنان.
            حين يعتقد البعض أن فقدان أمان الوطن أي فقدان الأرض و الثروات الغنية من حوله. لكن لا يشعر هذا الشخص بأنه لو فقد أسرته لا قدر الله, سيكون قد فقد أجمل وطن و أغلى وطن.
            علينا أن ندرك جميعاً أهمية التآلف الأسري و الاجتماع الأسري على طاولة واحدة. عائلة متكاملة الأطراف من أب و أم و أخوة و أخوات. تجمعهم الابتسامة و الضحكة الرائعة و كذلك المودة و الرحمة فيما بينهم. و لا سيما حين يمارس كل شخص داخل هذه العائلة دوره بالكامل.
            فالأب هو الحصن الخارجي المنيع لهذه الأسرة و هو المعيل الأول و الأخير لهم. و كذلك هو الشخص الحنون و العطوف على أفراد عائلته من الداخل و شخص قوي و ذو شخصية نافذة على من يعادي أسرته من الخارج. و الأم هي مستودع الحنان و العاطفة و احتواء المشاكل. لأن الأم تتميز بخصال الصبر و التحمل لفترة طويلة. فيكفي أنها استطاعت تحمل آلام الحمل لمدة تسعة أشهر كاملة و كذلك آلام الولادة و التربية و غيرها. و هنا نتحدث عن طفل واحد, فكيف لو أنجبت أربعة أو خمسة أفراد ما بين بنين و بنات. و لهذا فإن مهمة الأم داخل العائلة, مهمة محورية و هامة جداً و تطلب الكثير من العمل و الجهد و التعاون من الآخرين من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة و عدم انهيارها من الداخل أو من الخارج.
            أما الأبناء فهم الدرع القوي لأخواتهم البنات. و هم أولياء العهد بعد والدهم. ولهذا فإن عليهم التعود على تحمل مسئوليات الأسرة و كذلك مسئوليات الحياة خارج المنزل من إحضار لطلبات المنزل و كذلك القيام بجميع المشاوير الضرورية لعائلتهم الكريمة.
            و أخيراً أخواتي الفتيات الرائعات و الجميلات هن أجمل ما يحتويه هذا المنزل. فمن واقع تجربة و خبرة فقد استطعت تأكيد أن وجود الفتاة في المنزل هو عامل مهم و أساسي من أجل امتصاص الطاقة السلبية من داخل المنزل و نشر أسباب الفرح و السرور داخل المنزل. بالإضافة إلى أنهن اليد المساعدة لوالدتهن في حال واجهت ظرفاً صحياً يمنعها من أداء واجبها داخل المنزل.
            إذا نستنتج من هذا التنسيق الجميل أن الأسرة الآمنة هي وطن رائع يحتوي على ورود الربيع البيضاء. و كذلك زهور الفل و الياسمين. و لا علينا أن نغيب عن أنفسنا أهمية تماسك أسرتنا و محاولة رأب أي صدع أو شرخ قد يحدث فيها. و علينا دائماً المبادرة سريعاً لوضع الحلول المعالجة و لو كانت مؤقتة لأي مشكلة تظهر على السطح سواء من الأب أو الأم أو الأبناء أو حتى الفتيات.
            على الجميع أن يستشعر مسئولية هذا الوطن و أن يحافظ على أمانه و استقراره و ألا يعبث بهدوئه أو أن يفكر في تكدير صفو هذه العائلة المطمئنة و التي تشعر بالرخاء و السعادة في جميع أوقاتها.
            و حين نقطف ثمار هذا المجهود التعاوني, حتماً سنجد أننا أمام وطن دائم لن ينهار و لو بعد مائة عام. و سنعلم قيمة هذا الوطن حين نشاهد الآخرين من حولنا و هم يتفككون من نسيجهم الأسري و يلجؤون إلى العيش بمفردهم و بمنعزل عن بقية أفراد و طنهم.
            أكاد أن أخبركم أن شتات الوطن يعني شتات الروح و هذا قد يؤدي بالشخص الواحد إلى الانهيار النفسي و المعنوي و كذلك العزلة عن الآخرين و الابتعاد عن المجتمعات الطبيعية المسالمة. و ربما يدفع بالشخص إلى الانتحار لا قدر الله لو كان ضعيف الإيمان.
            نصيحتي الأخيرة لكم بأن تحافظوا ثم تحافظوا ثم تحافظوا على أوطانكم مهما بدت أمامكم أياماً سوداء تعتقدون بداخلكم أنها لن تمر أو لن تمضي. و لكن حتماً ستمضي و سيشرق النهار من جديد.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
{ كاتب & محاسب }
#إبتسامة_قلم

ثم ماذا بعد ذلك؟

يركض بنا الزمن يوماً بعد يوم. و ندخل بأيامنا هذه متاهات لا نعلم ما هي النهاية فيها. لكن جل ما نملكه في قلوبنا هي ثقة قوية بأقدارنا و إيمان عميق بأن الله عزوجل لن يترك عبده وحده يصارع في هذه الحياة.
و لهذا فإننا في كل صباح حين نستيقظ من نومنا و كأشخاص مؤمنين و موحدين بأن خالق هذا الكون هو وحده من يدبر أمره, نسأله و نطلب منه أن يمنحنا يوماً سعيداً و منعشاً و لطيفاً و خفيفاً من كوراث لا تحمد عقباها.
و حين ننهض من فوق السرير ثم نتجه إلى النافذة من أجل استنشاق هواء منعش و عليل, قد ..... و في بعض الأحيان ترتسم على ملامحنا بعض لحظات الخوف من أن يكون يوماً سيئاً علينا. لكن التفاؤل و الابتسامة المشرقة هي التي ستجعل يومنا يسير كما المعتاد بدون أن تكون هناك أي مخاوف من أي شيء من حولنا.
أيضاً رؤية الأبناء و البنات أمامنا قد يحملنا بعض المسئولية و القلق عليهم و الخوف على مستقبلهم. لكن حين ترى تلك الابتسامة البريئة على وجوههم ستتأكد حينها أن كل ما تشعر به مجرد مخاوف لا أساس لها من الصحة.
و حين نباشر مهام أعمالنا اليومية المعتادة فإننا و بكل شوق و سعادة ستزداد حماستنا أكثر للعمل و لكن هناك لحظات تصيبنا مع مرور الزمن البطيء خلال ساعات العمل الطويلة تدفعنا لسؤال أنفسنا ذاك السؤال المبهم و الغريب و الغامض و الذي أعتقد من وجهة نظري أن إجابته صعبة نوعاً ما ( ثم ما ذا بعد ذلك؟ )
هذا السؤال هو ما يضعفنا أمام ذواتنا الداخلية و يجعل الخوف يتسرب إلى داخلنا رويداً رويدا. و ربما لا تشعر حتى تحين تلك اللحظة المفاجأة لتجد نفسك غارقاً في بحرٍ من الأفكار العديدة و الطرق الطويلة و كل ذلك يحدث في مخيلتك و عيناك مفتوحتان أمام مديرك و أمام الجميع. لكن للأسف لا يشعر من حولك بما أنت فيه تلك اللحظة و كمية الحمم البركانية التي تسبح فيها.
صحيح أن علينا أن نسير كما هو مقدر لنا و أنا لا أنكر ذلك لأن الإيمان بالقدر خيره و شره من أركان الإيمان الستة. لكن أيضاً التخطيط الجيد و السليم لحياتنا و وضع خطط طويلة المدى و قصيرة المدى و كذلك متوسطة المدى أمر مهم في حياة كل إنسان.
و هنا ينبع الخوف حين تنتهي من كل مهمة خططت لها سارت بالشكل السليم. تشعر حينها أن كل شيء انتهى و أنه لم يبقى لك في هذه الحياة من شيء لكي تعمله. لكن صدقني أنت تعمل في دائرتك المكتوبة و التي بكل تأكيد لا تستطيع رؤية جميع أبعادها من حولك. و أيضاً لن تغادر هذه الحياة حتى تكتمل دائرتك و جميع الأمور التي قُدرت لك منذ ولادتك حتى وفاتك. و لهذا لا تقلق من أي شيء من حولك.
لكن تساؤلي هنا حول إشباع هذه الغريزة الإنسانية التي تسمى ( الفضول ) لمعرفة المجهول و ما وراء الأبصار. كيف لنا أن نطفئ تلك النار المستعرة التي تشتعل في داخلنا حين نريد الوصول إلى نهاية كل خطة قد تم التخطيط لها و في نفس الوقت لا نريد الوصول لها حتى لا ننتقل إلى مرحلة أخرى مجهولة من حياتنا لا نعلم ما هي و ما هي تفاصيلها.
أعتقد أن إشغال النفس بشكل مستمر سيكون أمراً مرهقاً علينا حتماً و أنت تشغل نفسك و ذلك حتى لا ينشغل تفكيرك بالغد و ما سيحدث بالغد. لكن أعتقد من وجهة نظري أن إشغال النفس ليس هو الحل بل الترفيه عن النفس. فحين يكون العقل غائباً عن الوعي و منشغلاً بالترفيه, حتماً لن يشعر بضياع الوقت من حوله.
و هذه ليست دعوة صريحة مني لترك شعائرك الدينية التي تتبعها. كلا , بل عليك أن تجعل جزءاً من يومك مخصصاً لشعائرك الدينية و هي أساس حياتك و هي التي عليها ستحاسب في يوم الحساب. و أيضاً عليك القيام بجزء من خططك التي خططت لها. و اترك الباقي لترفيه نفسك و الخروج من تلك الشرنقة التي تلتف حولك كالروتين الممل ما بين العمل و المنزل و مسئوليات الأبناء و البنات.
نعم, إذا أوجدت تلك الراحة النفسية بداخلك و أن تنفذ خططك التي أردت أن تجعلها كبصمة لك في حياتك قبل رحيلك. فأنا أعتقد والله أعلم أنك لن تواجه أي مخاوف من المستقبل أو ربما من تلك الساعات القادمة بعد انتهائك من قراءة هذا المقال.
و تذكر أنه مهما تعددت المتاهات في حياتنا فحتماً سنصل إلى نقطة النهاية سواء أردنا ذلك بأنفسنا أم دفع القدر بنا إلى ذلك.


محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب
#إبتسامة_قلم

Monday, June 11, 2018

عيد الفطر المبارك

إنها مناسبة لطيفة و رائعة بعد امتناع عن الطعام و الشراب لمدة تتراوح بين 29 يوماً إلى 30 يوماً أن تفرح لله عزوجل شكراً على هذه النعمة التي منحها لك و أن تحمد الله عزوجل على أن جعلك مميزاً عن البقية وذلك باحتفالك السعيد بصحة و عافية و بعيداً عن أي مشاكل صحية أو نفسية أو ربما تفتقد أحدهم خلال هذا العيد السعيد.
دعني أخبرك بشيء عزيزي القارئ, لقد ودعت أفراح العيد لمدة 3 سنوات متتالية منذ العام 2015 حتى العام 2017. و لا أستطيع أن أصف لك كيف كانت هذه الأعياد الثلاثة تمر من أمام عيني و أنا أشاهد الجميع و هو سعيد لكن لا أستطيع مخالطة فرحتهم و سعادتهم العامرة.
كنت أحاول جاهداً أن أتزين في ليلة العيد و أن ألبس من أجمل ما أرتدي من ثياب لكن كانت فرحة العيد ناقصة. فلم أكن أشعر بذلك الإنجاز أو لنقل ذلك الفرق الكبير بين كل عيد و آخر. بل كنت أرى من خلال عين صغيرة جداً جميع المصائب التي حلت بي و لم أحمد الله عزوجل على نعمة الوجود و الاستمرارية.
لقد كنت أشعر خلال هذه الأعوام الثلاثة, أن كل عام يمر علي هو نفسه العام السابق و كنت أفتقد لذة البقاء في هذه الحياة و أني لازلت أعيش حتى بعد مرور 3 سنوات.
أشعر أنها سخرية مضحكة حين عزلت نفسي عن الآخرين و وضعت نفسي حبيس زنزانة مملة من الأفكار المتواترة و لكن حين أفقت في نهاية العام 2017 و بالتحديد مع دخول عيد الأضحى المبارك, بدأت أشعر بالحياة من حولي و أن كل صعب كنت أشاهده بعيني قد مر و اختفى و لا تسألني كيف. لأن الله عزوجل قادر على أن يبدل حالك إلى حال آخر في يوم و ليلة.
عليك يا عزيزي القارئ و كنصيحة أخوية مني أنا الكاتب, أن تنظر دائماً بعين أوسع و نظرة أكبر و اترك عنك تلك التفاصيل الصغيرة المزعجة في حياتك و ذلك لأني متأكد تمام التأكد بأن لديك تفاصيل ضخمة في حياتك و ربما هذه التفاصيل هي من أجمل و أسعد التفاصيل التي تنسج تفاصيل يومك الصغير.
عادة لا أرجو أحداً من أجل أن يفعل شيئاً مميزاً في حياته. لكن هذه المرة سأقترب من أذنك من أجل أن أهمس همسة رجاء خفيفة و ذلك بأن تنفض عنك غطاء اليأس و الحزن و أن تتأمل دائماً بأن ما بعد العيد القادم هي أجمل أيام حياتك السعيدة.
ربما تعتقد أن مدة 3 سنوات هي فترة قصيرة لكي أنقل تجربتها لك هنا في هذه المقالة و لكن أنا مؤمن بأن كل سنة ثقيلة على نفس الإنسان البسيط و الكادح تعادل سنتين من حياته. فما يواجهه الإنسان في حياته من صعاب و مشاق و يحاول كثيراً أن يتجاوزها فهو بذلك يستهلك و يستنفذ طاقة ضخمة من جسده و مخزونه العاطفي و البدني و النفسي.
و لهذا فإن بدء صفحة جديدة مع نفسك في بداية هذا العيد القادم لهي فرصة رائعة من أجل أن تمنح نفسك و من حولك صك الغفران الذهبي. و هو الصك الذي سيساعدك على العفو و النسيان معاً و ليس العفو فقط.
إن أي عيد لدى الإنسان سواء كانت أعياده الإسلامية أو أعياداً أخرى, تمثل نقطة انعطاف رائعة في حياة كل شخص و هذا الانعطاف ربما يكون في الاتجاه الصحيح و ربما يكون نحو اتجاه خاطئ.
و لهذا فعندما تتكرر عليه الأعياد عاماً تلو عام, عليه بمراجعة نفسه و عدم إحباط نفسه إذا ما وجد أنه لم يقدم ذلك الشيء الكبير في حياته و ذلك لأن الحياة فرص و ربما لم يحالف الإنسان تلك الفرصة الرائعة من أجل أن يحقق ما خطط له مسبقاً.
لكن عليه أن يدفع نفسه من أجل التطوير و التحسين و أن يعد نفسه بأنه سيكون أفضل من ذي قبل مع بداية العيد القادم.
صدقني إن العيد فرحة و إن فرحة العيد لا تضاهيه فرحة.
كل ما عليك هو فقط أن تعزم على التغيير منذ هذا العيد و أن تجعل أعيادك القادمة مقياساً لقياس درجة التغيير التي حققتها خلال العام المنصرم.

Monday, March 26, 2018

بين لحظات الفشل و لحظات النجاح معزوفة جميلة

            إن الإنسان الطبيعي في كافة أصقاع هذه الكرة المستديرة لابد أن يمر بتجارب كثيرة في حياته. تجارب ناجحة, تجارب فاشلة, تجارب لأجل التجربة, و غيرها من التجارب التي تؤدي إلى مخاضة رائعة و هي خلاصة حياة جميلة يشعر بالأمان بعدها أو بالأصح, يشعر بالسلام الداخلي حين يبلغ من العمر عتيا.
            لكن هل على الإنسان أن يمر مرور الكرام على كل تجربة تأتي في حياته, أم يجعلها مدرسة مهمة له؟ يتعلم منها و يأخذ الدروس و العبر منها أم يجعلها صفحة من صفحات حياته التي يقلبها إلى الصفحة التالية تماماً كما القارئ الذي يقرأ فصلاً كاملاً في إحدى الكتب وينتهي من قراءة هذا الفصل لكن للأسف لم يعي ما قرأه خلال الزمن الماضي.
            إن المشكلة التي تواجه الإنسان ليست في مواجهة هذه التجارب أو الانتقال من تجربة إلى أخرى. لكن المشكلة الأهم لدى أي إنسان هو التقدير لذاته و توجيه كلمات الشكر و الامتنان لنفسه بعد الانتهاء من كل تجربة سواء كانت ناجحة أم فاشلة. و السبب في ذلك هو تكوين رصيد هائل في مكتبة الذاكرة الداخلية من تجارب لا تنسى على مر الزمان حتى يستطيع روايتها و الحديث عنها للأجيال التي تأتي من بعده و تستفيد من تجارب الإنسان و قصصه.
            نعم, إن توجيه كلمات الشكر و التقدير مهمة جداً فهي محفز داخلي و مشجع قوي للانتقال إلى تجربة أخرى مع وضع التجربة الأولى التي كان يمر بها في مكان مميز بذاكرته و لا يمكن بحال من الأحوال نسيانه. و إن كانت تجربة فاشلة فالأهم بعد توجيه كلمات الشكر هو معرفة مكامن الخلل التي أدت إلى فشل هذه التجربة.
            إن هذا التناغم في الانتقال بين التجارب المتعددة و الزهو بالنفس بشكل رائع و الشعور الجميل بالفخر و التقدير على تجاوز أي تجربة من التجارب, يشبه إلى حد كبير تلاوة معزوفة موسيقية متعددة الأنغام ما بين الأوتار العالية و الأوتار المنخفضة. معزوفة تستطيع سماع صوتها في أذنك الداخلية قبل أذنك الخارجية. و لهذا فإن كل تجربة يحسبها الإنسان لنفسه أنها تجربة لن تمر مرور الكرام فإنها تجربة تستحق و بكل فخر أن تروى و لا يهم مقدار الفشل أو النجاح أو حتى الإنجاز العظيم الذي حدث لهذه التجربة.
            لذلك فإن أي شخص يريد أن يشعر بحياته كدفتر مغامرات يقوم بقراءته أي طفل في الروضة أو كأي قصة خيالية من قصص أفلام الكرتون فعليه تلاوة هذه المعزوفات و الأنغام الموسيقية في كل تجربة يتخطاها و أن يمنح لنفسه السلام و الأمان و عدم الخوف أو الرهبة حتى لو كان نجاح التجربة مدوياً و وصل إلى كافة أصقاع الكرة الأرضية.
            فالإنسان بطبعه طموح و مقدام و يحب المغامرات إلا إذا تعرض لخيبات أمل كثيرة فهنا عليه مضاعفة مجهوداته التي يقدمها في حياته و ألا يجعل لأي خيبة أمل أو كسرة قلب أن تدمره أو تحطمه. بل عليه أن يشعر بذاته و أن يقدر نفسه و أن نفسه ذاتها تستحق الاحترام و التقدير مهما كانت حياته سيئة.
            و لهذا فإن خلاصة حديثي هو الاستمرار في التجارب، تجربة تلو تجربة حتى تصل إلى مرحلة من العمر ترغب فيها بالشعور بالراحة و الأمان و السلام الداخلي. و عليك دائماً أن تغني لنفسك أعذب الألحان و أجمل الموسيقى من كلمات شكر رنانة و كلمات مديح تحمر بها وجنة الخجل. و على الإنسان ألا يقف مكتوف اليدين عند أي تجربة لم يستطع تجاوزها لأن الله عزوجل لا يكلف نفساً إلا وسعها. و لهذا فإن الإنسان مجبول بطبعه على تجاوز معظم الصعاب في حياته.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
{ كاتب & محاسب }
#إبتسامة_قلم

Tuesday, March 6, 2018

أنت في نعمة عظيمة

                نعم, أنت في نعمة عظيمة و رائعة حين تستشعر الحياة من حولك و هي تحاول أن تقدم لك أفضل ما لديها و أجمل ما لديها. على الرغم من الحزن الفظيع الذي ينتابنا في أول لحظة انكسار و خيبة أمل لكن مع ذلك فإن التمسك ببسمة الحياة و الرضا و القناعة بما تملك بين يديك هي أعظم نعمة تستطيع بها التعايش مع ذاتك و مع روحك في كل يوم تعيشه.
                أنا لا أقول لك أن تصبح ملاكاً أو شخصاً رائعاً بلا أخطاء. لكن حاول ألا تجعل ذلك الضجيج المزعج و الأنين المؤلم بالفقد و الخسارة تكوي قلبك المسكين و أن تحول بينه و بين السعادة و لذة الحياة الجميلة. أنت في نعم عظيمة و إن كان لديك شيئاً ناقصاً في حياتك. و إن كان هذا الشيء هو أغلى و أعظم ما تتمناه في حياتك. إلا أن خفض هذا الضجيج و دفعه إلى الداخل مع وضعه طي الكتمان و في حالة سليمة بعيداً عن الانفجار المستقبلي تحت أي ظرف و تحت أي مجهود, سيكون له أثر رائع في أن تتنفس أزهار الربيع كل يوم في حياتك.
                و لهذا فمن حكمة الله عزوجل أن خلقنا بشراً ناقصين لأننا لن نشعر بالراحة و النعيم الأبدي سوى في جنة عرضها السموات و الأرض. و أما هذه الحياة فالتعايش السلمي معها هو في أفضل و أنجح حل يمكنك من رؤية كل جميل في كل شيء من حولك و الابتسامة بشكل رائع و مبهج تجعل أعدائك يحتارون في الطريقة التي يريدون من خلالها أن يحبطوا معنوياتك أو أن تستسلم لذلك الشيء الناقص في حياتك حتى تشعر بالعجز الكامل و أنك عبارة عن قطعة اسفنج بالية في هذه الحياة لا فائدة منها.
                إن إصرارك الجميل على تعداد نعمك اليومية و التي من أهمها نعمة المشي بكل سلاسة و التنفس بكل راحة و الاستيقاظ صباحاً بلا ألم أو أدوية مسكنة هي واحدة من نِعم عديدة و هبها لك الله عزوجل من دون أن تسأله إياها أو حتى تطلبها منه. و هنا يجب عليك الشعور بمسئولية تجاه ما تملك و أن تؤدي واجب الحمد و الشكر كل يوم عبر الصلاة خمس مرات في اليوم و المحافظة على صلاة الجمعة و رفع يديك بالدعاء كل يوم شكراً لله عزوجل على هذه النعم.
                أنا لا أقول أن الأشخاص الآخرين الذين فقدوا هذه النعم و هم الآن على أسرة المرض في داخل المستشفيات لا يمكنهم أن يؤدوا واجب الشكر. بل من المهم و الأهم لهؤلاء الأشخاص أن يؤدوا واجباً آخر و هو واجب القناعة و الرضا. و ذلك لأن الله عزوجل إذا أحب عبداً ابتلاه حتى يسمع أنين دعائه كل يوم بعد منتصف الليل و هو يرفع يديه راجياً و خاشعاً و خاضعاً لمن أوجده في هذه الحياة البسيطة.
                جل ما أريده في هذه المقالة البسيطة هو تعداد النعم من حولك قبل أن تعد مصائبك حتى ترى الفرق الهائل بينك و بين من هم أقل منك درجة. مع أني لا أؤمن بتاتاً بوجود اختلافات بين طبقات البشر لأننا مخلوقون سواسية بدون اختلاف. لكن الله عزوجل و لحكمة يعلمها ميز كل إنسان بميزة حتى تجعله مختلفاً عن الآخر. حتى و إن كانت هذه الميزة هي نقص في جسده أو في حياته لكن تظل أنها ميزة فيه و عليه أن يستغلها لصالحه أجمل استغلال بدلاً من التذمر و التضجر من حياته كل يوم
                تمنياتي للجميع أن يعيش حياة مليئة بالسلام و السعادة و الرضا و القناعة بكل شيء جميل من حوله و ألا يكدر صفو حياته أي شيء يرغبه في هذه الحياة و لا يستطيع الحصول أو الوصول إليه.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
{ كاتب & محاسب }
#إبتسامة_قلم

Friday, January 26, 2018

شعور الاكتفاء

            إن من أقسى المشاعر التي يمر بها الإنسان هي شعور الاكتفاء, شعور عدم الرغبة في المواصلة, شعور الانعزال التام عن من حوله من البشر. و الأكثر بشاعة من ذلك هو شعور بانتهاء الحياة بشكل نهائي حتى و إن كان في ريعان شبابه.
            يحاول كثيراً و جاهداً في سبيل الحصول على فرصة جديدة أو على الأقل التمسك بما تبقى لديه من فرص متاحة بين يديه, لكن جميع الطرق أمامه مسدودة و لا مجال لمواصلة المسير حتى لو كان ذلك يكلف الكثير, حتى لو كان ذلك يكلف المشي حافي القدمين على أرض من الشوك.
            هذا الشعور المرعب الذي أتحدث عنه لا يشعر به سوى من حاول كثيراً أن يحطم في كل شيء أمامه من صخر أو جليد أو تراب أو حتى سهول و وديان و لكن عندما يتجاوز مرحلة معينة تأتي المراحل من بعده أصعب و أصعب حتى لا يجد شيء أمامه يستطيع التشبث به و مواصلة السير.
            أكاد أن أصف هذا الشعور بغرفة سوداء مظلمة لكن جدرانها الأربعة عبارة عن مرايا يستطيع أن يرى المرء فيها انعكاس نفسه فقط و لكن وسط الظلام. هل يستطيع السير؟ هل يستطيع أن يرى ما هي الخطوة التي أمامه؟ هل يستطيع أن يلمس أي شيء أمامه. إنه لا شيء. عالم مفرغ من الحب و المشاعر و العواطف و الأهم من ذلك الاهتمام و الشعور بالوجود الإنساني
            حين يخالجني هذا الشعور في كل مساء, أبدأ في محاولة التخفيف من آثاره و ذلك بالترويح عن النفس و تسلية الروح و الحديث مع العقل و تهدئة ذلك القلب العاطفي الشغوف و المتعطش لكل مشاعر الحب و الاهتمام التي يفتقدها في حياته.
            أبدأ في تفتيت هذه الأوهام و هذه الهلاوس و الصور الغير مرئية و كذلك الشعور الجاف بانعدام الحياة من حولي. و أني وصلت إلى أقصى ما يطمح له الإنسان أن يصل إليه في هذه الحياة. و أحاول كذلك أن أشبع كافة الحواس التي تشعر بالملل من هذه الحياة حتى لا أصبح مخنوقاً متعطشاً لأي كلمة قد تنقذني من شفير الهاوية إلى عالم لا عودة فيه.
            حتى لو هربت من كل شيء من حولي و أصبح هذا الشعور هو الشيء الوحيد الذي يواجهني فإني لا أتركه يترصد بي أو بتحركاتي و لا أسمح له بأن يدفعني للانهيار أو السقوط راكعاً على الأرض.
            هذه ليست مقالة و إنما خاطرة و فضفضة للقلب فقط من أجل التعبير عن شعور التعب و الأسى و حال التيهان التي أمر بها في بعض الليالي المظلمة و التي لا تحتوي عاطفتي سوى هذه الصفحة فقط.

محبكم
أحمد حسين فلمبان
{ كاتب & محاسب }
#إبتسامة_قلم 

Tuesday, January 9, 2018

أنا الطفل الحزين

          تخيل أن تستيقظ يوماً من الأيام و تكتشف أن حياتك عبارة عن دفتر خالٍ من المشاعر و الأحاسيس. تخيل أن تستيقظ في ذلك اليوم و تكتشف أن حياتك عبارة عن صفحات مكررة و متكررة طوال سنوات عديدة غير محددة البداية و لا تستطيع أن تحدد النهاية لهذا الدفتر.
          هل تخيلت؟ فما رأيك إن أخبرتك أن هذا هو واقع أحد الأطفال البؤساء الذين يجوبون في إحدى الشوارع المظلمة في مدينة نيويورك. هل تتخيل مدى كرهه لهذه الحياة و مدى قسوة قلبه حين يكبر؟ هل تتوقع أن يصبح يوماً من الأيام رجلاً عظيماً أم أنه ربما يكون أحد الفقراء في إحدى الأحياء الفقيرة؟
          في الحقيقة أنا لا أراه طفلاً, بل أراه رجلاً بالغاً راشداً و محباً لكل ما حوله. أتعلمون تلك القصة العجيبة التي كنا نسمعها صغاراً حول بائعة الكبريت. نعم, بالفعل هذا ما يدور بداخلي حول هذا الطفل البائس و حياته البائسة.
          مشاعر عميقة تجول في خاطري حين أراه هائماً على وجهه لا يعرف أين الخلاص من هذه الحياة أو حتى لا يعرف ما معنى الحياة من أساسها. أشعر أن قلمي يبكي حين يرى هذا الطفل المسكين من خلال نافذة شقتي المطلة مباشرة على ذلك الشارع الذي يجوب فيه. و على الرغم من مواساتي لقلمي إلا أن القلم أبى, حتى يكتب عن هذا الطفل و عن مأساته الفظيعة و عن حياته التي لا يرى فيها أي قيمة تذكر أو أي إضافة لهذا الكون.
          حاولت أن لا أبوح بكل مشاعري و بكل ما يجول في خاطري لكن دمعتي سبقت كل هذه المشاهد و ارتأيت لو كنت مكان هذا الطفل الحزين. كيف سوف أتصرف و كيف سوف أفعل و إلى أين سأذهب؟ من سوف يمسح دمعتي و من سوف يجبر كسر خاطري و من الذي سيواسي حزني الفظيع في مواجهة هذه الحياة.
          و بعد لمحات عدة و مشاهد متعددة حول هذا الطفل, قررت أن آخذ سلاحي ألا و هو قلمي و أن أسطر هنا في هذا المقالة بعض الأحرف لعلها تشفي غليل ذلك الطفل و لعلها تسترد له بعضاً مما سلبته الحياة منه. و لعلي هنا أسلط الضوء حول أولئك البشر الذين لا يسمع أنينهم أو صوت بكائهم سوى الله عزوجل فقط. و ربما أستطيع أن ألفت نظر البعض بأن يقدروا على أقل تقدير أولئك البشر و أن لا يسمحوا لأنفسهم بالتجرؤ في الحديث دون معرفة أوضاعهم.
          و حين بدأت في الكتابة تذكرت عزف الناي الذي كنت أسمعه حين كنت طفلاً صغيراً من خلال نافذة جارنا المطلة مباشرة على منزلنا. لقد كان عزفاً أليماً مليئاً بجرعات حزينة و كنت أشعر على الرغم من طفولتي في ذلك الوقت, أن جارنا يريد أن يتحدث إلى أحدهم لكن لم يكن يسكن معه أحد. فقد ماتت زوجته و أبنائه و بناته في حادث سيارة بحسب ما أخبرتني به أمي و لهذا فقد كان جارنا يعزف بكل هذا الألم و المأساوية.
          هذا العزف جعلني أكتب و دمعي يهطل و منظر الطفل من أمامي و هو يذهب و يجيء دون أن يلتفت له أحد من المارة و دون أن يشفق أحد على مساعدته. و الشيء المحزن الآخر أن الثلج كان يهطل بغزارة في الخارج و جل ما كان يرتديه ذلك الطفل هو قميص ذو أكمام طويلة و بالية و مقطعة و سروال خفيف لا يكاد يحميه من شدة البرد. لقد حاولت أن أعبر عن ما يكنه هذا الطفل من مشاعر و استمررت في الكتابة حتى انهرت باكياً و تناثرت الأوراق من حولي و ذهبت مسرعاً نحوه حتى أحتضنه بدفء.
          لكن للأسف جل ما كنت أراه هو مجرد وهم من الخيال. فذلك الطفل لم يكن يعبر سوى عن طفولتي و عن حياتي التي لم أكن أدرك أي معنى لها حتى وصلت إلى سن البلوغ. نعم, هذا الطفل هو أنا و أنا هو ذلك الطفل الحزين. لا أعلم لما أعبر عن طفولتي بهذا الشكل البائس لكن هي مشاعر أريد أن أطلقها حتى لا تظل حبيسة في خزانة القلب و في أرشيف الذكريات.
          و كل ما أدعو به و أرجوه هو أن أحصل على خاتمة سعيدة و جميلة لحياتي و أن لا تستمر هذه المشاعر مدى العمر.

محبكم
أحمد حسين فلمبان
{ كاتب & محاسب }

#إبتسامة_قلم