Saturday, January 27, 2024

إنجاب

 أكتب إليكم اليوم من مكاني المعتاد في مدينة جدة وهو الجلوس أمام شاطئ البحر الذي يبعث إلى الروح الدفء والشعور بالأمان وقد تجاوزت الساعة بحسب ما أنظر إليها على معصم يدي؛ منتصف الليل وقد اقتربت أكثر إلى بزوغ الفجر لتعلن لسكان المدينة عن بداية يومٍ جديد، نسأل الله فيه اللطف والخير والبركة.

وحيداً أجلس وأستمع إلى موسيقى هادئة تعينني على قراءة كتاب وكذلك الاستمتاع بمشاهدة البحر من أمامي وإن كان حالك الظلام لكن دائماً ما يشعرك البحر بأنه خير أنيس ومؤنس لروحك في كل زمانٍ ومكان.

وبينما كعادتي إن انفردت وحيداً أتأمل البحر، كذلك أتأمل البشر من حولي، وإذ أرى تلك العائلة التي كانت تجلس بجواري وليست ببعيدة عن مكان جلوسي لأتأمل في حالهم وبالطبع سينظرون فئة من البشر ممن سيقرؤون هذه المدونة على أنني شخص فضولي ومتطفل لكن ما لفت انتباهي لكي أتأمل فيهم؛ هي أنهم عائلة صغيرة للغاية من زوج وزوجة ولديهم طفلة رائعة وجميلة.

ويبدو لي أن الطفلة قد بدأت للتو تعلم مهارة المشي لأنها كانت تمشي ثم تسقط وتكرر المحاولة بعد أن تنهض والابتسامة والسعادة من تكرار المحاولات لا تسعها. إلا أن ما لفت انتباهي هو حال الزوج وزوجته اللذين كانا جالسين على فرشتهما مقابلين للبحر والصمت بينهما سيد الموقف.

بل إن الزوج كان يسلي نفسه لوحده بعيداً عن زوجته وطفلته بالنظر إلى هاتفه المحمول وتقليب صفحاته وكأنه ليس أباً ولديه طفلة من حقها أن تلعب معه وأن يلاعبها ويمازحها وهي تكرر محاولات تعلم المشي.

حينها عادت إلى ذاكرتي ذات التساؤل الذي طرحته على نفسي بعد أن انتهيت من أداء صلاة الجمعة في اليوم السابق وفي طريق العودة إلى المنزل مررت من أمام دار الرعاية النهارية التي تُعنى برعاية ذوي الإعاقة وسألت ذاتي حينها:-

اليوم أنا أبلغ الرابعة والثلاثين من العمر لكن هل أنا مستعد للإنجاب؟

ماذا لو كان رزقي طفلاً أو طفلة من ذوي الإعاقة؟ هل روحي مستعدة لتقبل هذه المرحلة الجديدة من حياتي؟

للأسف يظن البعض "وهم أغلبية" أن الزواج هو تسديد دين مجتمعي فقط ليزيل عنه الوصمة المعيبة مجتمعياً بأنه كبر في السن ولم يتزوج، متناسياً أن الزواج يؤدي للإنجاب في كثير من الحالات باستثناء انتهاء العلاقة بالطلاق قبل الإنجاب أو الوفاة أو ربما ممن لديهم عقم سواءً من الزوج أو الزوجة.

لكن من أدى زواجه إلى وجود روح جديدة على هذه البسيطة، هل هناك استعداد كامل لحماية هذه الروح وتحصينها وملئها بالسعادة والفرح وبث الشعور بالأمان والطمأنينة وأنه كما تطلب منهم بعد أن يكبروا في أن يؤدوا واجبهم من الطاعة وبر الوالدين كذلك عليك حقٌ تجاههم من لحظة بث الروح في أجسادهم من أن تكون جاهزاً ومتقبلاً لفكرة أنك ستكون أب أو أنكِ ستكونين أماً وعليكم الاستيعاب أكثر بأن هذه الروح لم تُخلق عبثاً أو أنها اختارت أن تأتي إلى الحياة بل أنتم أيها الآباء والأمهات مَن اتخذ قرار الزواج بكامل أهليتكم العقلية وألا تعتقدوا بأن ليلة العمر كما يسميها الكثير ممن يفرحون بدخولهم القفص الذهبي بأنها ليلة للسعادة والفرح فقط والتراقص على أنغام الموسيقى بنهم وشراهة، بل هي أيضاً ليلة لبدء حِقبَة جديدة من أيامك لربما يتوجها الرب لك برؤية الكثير من الأرواح من حولك وبيدك أنت وزوجتك أو أنتِ وزوجك من جعل هذه الأرواح البريئة والطاهرة من أسعد الأرواح على سطح المستديرة وبيدك أيضاً أن تجعلها أسخط الأرواح وأكثرها شراً وحقداً على غيرهم ويكون العمل مضاعفاً إن كانت هذه الروح من ذوي الإعاقة لأنها لم تختر إعاقتها بنفسها ولكن لا ملجأ ولا معين لهذه الروح سوى أهلها من أب وأم يجتمعون معاً يداً بيد لجعل هذه الروح من ذوي الإعاقة عضواً نافعاً ومفيداً للبشرية ولذلك حين عدت إلى نفسي وكررت السؤال على ذاتي، وجدت أنني ليست مستعداً حتى اللحظة في أن أتحمل مسؤولية وجود روحٍ جديدة على هذه المستديرة وأنا لا أستطيع توفير أسباب السعادة والفرح لهذه الروح التي ستأتي إن قررت يوماً من الأيام أن أتزوج وتكون لي شريكة الحياة.

و لا يهمني كثيراً تلك الوصمة الاجتماعية من بقائي أعزباً حتى وإن بلغت من العمر ما بلغت لأن هذه الروح هي أمانة ومن الواجب على أي إنسان قرر الإنجاب والإتيان بروح جديدة أو أمانة جديدة في أن يراعي هذه الأمانة وأن يخاف ربه فيها.

وهكذا أكون قد وصلت إلى نهاية ما قد كتبته من أمام شاطئ البحر، لكن ....

حين عدت إلى منزلي وقمت بمراجعة التعليقات التي تردني على منصات التواصل الاجتماعي، وجدت أحدهم قد قام بالتعليق على إحدى المقاطع المرئية القصيرة التي قمت بتصويرها أثناء ذهابي إلى البحر، وكان المقطع المرئي الذي قمت بتصويره، هو قيادتي للسيارة متوجهاً إلى البحر وقمت بتشغيل أغنية "الصبر جميل" للفنانة "مها فتوني"، وكتبت أيضاً على هذا المقطع كلاماً يفيض من القلب ... أصف فيه حالتي منذ العام 2013م وسلسة الانكسارات التي مررت بها ما بين الانكسار الأول منذ العام 2015م في يونيو 2015م ثم تعدل الحال في ديسمبر 2015م  ثم انكسر ظهري من جديد في 10 أبريل 2017م وبعدها تعدل الحال بعد أغسطس 2017، ثم انكسر ظهري مرة أخرى في شهر سبتمبر 2019م

فالسبب الذي جعلني أكتب هذا الكلام هو أنني لم أعد شخصاً منضبطاً في نومي كما كنت في السابق حيث كنت أنام قبل الساعة الثانية عشر من منتصف الليل وأستيقظ مع بزوغ الفجر كبقية البشر، لكن بعد الانكسار الأخير الذي حدث في سبتمبر 2019م، لم أعد أعي متى أنام ومتى أستيقظ فأصبحت أخرج إلى البحر كما هو حالي الآن بعد منتصف الليل وربما أعود على قرب بزوغ الفجر وأظل نائماً طوال فترة النهار وذلك بسبب عدم وجود أي وظيفة أو عمل أقوم به إلى أن تنتهي مرحلة العطالة عن العمل هذه وأجد تلك الوظيفة التي تقدرني وتحترمني.

فقال لي هذا الشخص في تعليقه على هذا المشهد المرئي القصير بأن الزواج هو الحل !!! وهو سبب الرزق بعد توفيق الله عزوجل لك !!!

يا إلهي ... ما ذا يقول هذا الإنسان لي؟

بالإضافة إلى ذلك المشهد الذي سردته إليكم في الأسطر الأولى من هذه المدونة عن تلك العائلة الصغيرة، أتى هذا الشخص وزاد الأمر إحباطاً حيث ربط السعادة وحصولك على الرزق في هذه الحياة بمجرد إتمام زفافك وإكمال نصف دينك.

فقمت باقتباس رده وكتبت تعليقاً قلت فيما معناه:- بأن الزواج ليس شماعة الحياة لأن الزواج أمانة.

وإن كنت مؤمناً بالذي أوجدك وبالذي سوف يرزقك واتخذت الزواج شماعة معتقداً أنها ستؤدي بك إلى الرزق وأدى هذا الزواج إلى وجود عدد من الأمانات تحت يدك ولكن لم ترعها ولم تقم بالاهتمام والرعاية، فكيف تعتقد أن الذي أوجدك والذي رزقك والذي سهل لك الزواج سيجعلك تستمر في ذلك؟

في الأكيد لن تشعر بطعم الراحة ولن تشعر بالهناء ولن تشعر بالمتعة لأنك قصرت في هذه الأمانات.

لذلك أقول بأن الزواج والإنجاب ليست بالشماعة التي نعلق عليها كل أمرٍ نريد الهرب منه ونعتقد في داخلنا بأن وجود شريك للحياة أو شريكة حياة هي الأمان وهي الشعور بالاستقرار وكذلك الشعور بالانضباط في الحياة.

لأنني وكما هي وجهة نظري بأن هذه الأمانات التي ستأتي من تحت يدك ستكون مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة لأن الحق صل الله عليه وسلم  نطق بالحق وقال "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته" 



محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Thursday, January 11, 2024

إنسان مليء بالمشاعر ولكن بلا مشاعر

 ولكي أصدقكم القول فيما سأكتبه إليكم هذا اليوم، فقد استلهمت هذه المدونة أثناء قيادتي للسيارة في طريق العودة من مدينة مكة المكرمة إلى مدينة جدة وكنت خلال القيادة، أستمع إلى أغنية الفنان المصري المعروف والذي ذاع صيته منذ زمن وهو الفنان عمرو دياب في أغنيته التي حملت عنوان "صدقني خلاص".

حينها تذكرت تلك الرسالة الصوتية التي بعثت بها إلى صديقي والتي أخبرته فيها عن إحساسٍ يسري بداخلي آنذاك وهو الإحساس بأنني إنسانٌ مليءٌ بالمشاعر ولكن بلا مشاعر.

يا ترى كيف يمكن لشخصٍ أن يحمل صفتين لا تجتمعان في شخصٍ واحد.

مليءٌ بالمشاعر!!!

ولكن بلا مشاعر!!!

في حقيقة الأمر، فإن أصدقائي وجميع المحيطين بي من حولي يقولونها أمامي وبكل ثقة، بأن روحي حساسة للغاية ومليئة بالمشاعر تجاههم وبالتحديد مشاعر المحبة التي أحملها في قلبي نحوهم وكذلك مشاعر الخوف عليهم أو الخوف من أن يصيبهم أي مكروهٍ – لا سمح الله –.

وعلى الوجه المقابل فأنا أشعر بداخلي بأنني لم أذق في حياتي تلك المشاعر وبالتحديد تلك المشاعر الرحيمة التي يستشعر بها أي إنسان لديه أخت، سواءً كانت أختٌ صغيرة أم أختاً كبيرة.

وذلك لأنني أكبر أخوتي في عائلتي وجميع أخوتي الأصغر مني هم من الذكور.

فلذلك لا أعلم حقيقةً كيف هي المشاعر الحقيقية التي تُكنها الأخت تجاه أخيها.

هذا من جانب ...

أما من جانبٍ آخر ... فكذلك لم أذق في حياتي مشاعر الأمومة أو محبة الأم كعاطفة، كتواجد بالقرب في حالة الحزن أو الشعور بالضيق، أو كنوعٍ من الطبطبة على الكتف.

نعم ... كانت أمي موجودة ولا تزال إلى الآن على قيد الحياة – وأسأل الله تعالى أن يمد في عمرها بالصحة والعافية – ولكن كانت تعبر عن حبها لي بالمادة، أي أنها كانت دائماً تشتري لي كل ما أرغبه سواءً كانت ألعاب أو ملابس أو أي أمرٍ مادي يرغبه أي طفل يبلغ من العمر على سبيل المثال 6 سنوات أو حتى 10 سنوات. وكانت دائماً تقول لي: - "أنا التي اشتريت وأنا التي اشتريت وأنا التي اشتريت".

وكانت بالنسبة لي في طفولتي، أمراً غيرَ محبذٍ إلى روحي لأنني بالفعل كنت أريد شخصاً يشعر بما في داخلي، شخصاً يفهمني، شخصاً يحتوي تلك الأعاصير التي تهيج بداخلي في تلك الفترة وكنت في حقيقة الأمر أبحث عمن يجلس إلى جواري ويضع يده على كتفي ويطبطب عليها بكل حنية ويقول لي: - لا تقلق يا أحمد، كل شيء بخير، وكل أمر هو بخير وكل ما تمر به سيكون على خير.

وبالمناسبة ... وعن حديثنا حول المشاعر و ما يتعلق بها، تذكرت أيضاً خلال قيادتي للسيارة ما كتبته عن مشاعر معينة لأن المشاعر أنواع – كما أستطيع أن أنظر إليها –، فهناك المشاعر العاطفية أي مشاعر المواساة والمؤاخاة وغيرها، وهناك المشاعر الفكرية، وهناك المشاعر المعنوية أي الدعم المعنوي كالتشجيع والتحفيز المستمر على الاستمرار وهناك مشاعر مميزة من بين هذه المشاعر اسمها "الحب".

وأتذكر هنا جيداً ما كتبته في إحدى المجتمعات الثقافية عن نظرتي وفلسفتي تجاه "الحب" بالرغم من أنني كما ذكرت خلال شرح هذه الفلسفة، بأنني لم أذق مشاعر الحب، بطريقتها الطبيعية وبتصرفها الطبيعي الفطري الذي وجد في حياتنا، وكذلك عدم رغبتي في أن أتذوق طعم الحب.

لذلك نظرت في هذه الفلسفة نحو الحب من زاوية إن كان الحب يأتي من الحرمان الداخلي للشخص والذي يؤدي بطبيعة الحال إلى العطاء أم هي مجرد مشاعر طبيعية تأتي بمجرد أن تدب الروح في أجسادنا ببطون أمهاتنا" وعن نص هذه الفلسفة التي قلت فيها: -

"دائماً ما يقال أن العطاء ينبع من الحرمان

أياً كان هذا العطاء

سواءً عطاء مادي

أم عطاء عاطفي

أم عطاء معنوي

أم عطاء فكري وغيره

ولكن هل الحب هو عطاء لتعويض النقص لدى الطرف الآخر بحجة الحرمان لدى الطرف الأول؟

سؤال فلسفي عميق ...

أعتقد والله سبحانه أعلم

أن الحب هو فعل جوهري لا يحتاج إلى حرمان كي يدفعنا للتعويض.

الله عز شأنه يحبنا نحن عبيده وليس في حاجة إلى حبه لنا لأنه الكامل وله ملكوت كل شيء.

فهل حبه لنا لأن لديه حرمان؟

و لله المثل الأعلى جل في علاه.

لذلك أعتقد أن الحب ... بمنظوري كما أراه هو غريزة داخلية وُجدت بداخل أرواحنا منذ أن دبت الحياة في أجسادنا بداخل بطون أمهاتنا.

وهي الغريزة الأصيلة التي لا يقابلها شيء أو أن تتغذى على شيء.

عدا شيءٌ واحد فقط حرمه الله عزوجل على نفسه وهذا الشيء هو الوقود الذي يشعل الغريزة المضادة للحب وهي الغريزة الطارئة أو اللاحقة والتي تكون بمسمى غريزة الكره والعداوة.

وتغذيها ما حرمه الله على نفسه وهو الظلم.

لذلك أرجو إطعام غريزة الحب ... بنشره فيما حولكم، لأنها الأصالة التي تستمر من خلالها الحياة".

وبذلك أنتهي من ذكر هذه الفلسفة كي أصل بكم إلى خاتمة رائعة أختم بها هذا الحديث الذي أكتبه إليكم اليوم، وهو أن الإنسان وإن لم يتلقَ أي مشاعر من أخته أو أخيه أو أمه وأبيه إلا أن روحه لا تزال طاهرة ومليئةً بمشاعر العطاء.

وأقصد بمشاعر العطاء هنا أي مشاعر الحب والمحبة تجاه الآخر وهي الشيء الثمين الذي يوجد بداخل كل روحٍ أصيلة من أرواحنا.

 

محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم