Friday, May 12, 2023

... في حياتي

ليس هناك أقسى من أن يحاول المرء إبعاد البشر من حوله وكأنه يهمس إليهم أن اتركوني ولا تعودوا بأي أملٍ في أن يتغير شيءٌ بداخلي.

هذه المُسَلْمَة لم أصل لها لأجل أنني أريد الوصول إليها بين يومٍ وضحاها، بل وصلت إليها بعد بلوغي مرحلة اليقين بأن الشمس ستتأخر كثيراً، كثيراً للغاية في أن تشرق بشيءٍ سعيد في حياتي. وهنا أتحدث عن حياةٍ مهنية ذات أهدافٍ واضحة وسُلْمٍ واضح للارتقاء والوصول إلى المراتب العليا.

لذلك أيها القارئ (أينما تكون ومَنْ تَكُون)، أدعوك ومن باب المحبة بألا تبحث في حياتي عن شيٍ سيبهجك، أو أن يدفعك إلى مستوى أعلى من المستوى الذي أنت تتواجد فيه الآن، أو حتى أن تحاول العثور ولو بصيصٌ بسيط من الأمل الذي لربما سيغير من تفكيرك أو الطريقة التي ترغب في أن تعيشها بالمستقبل.

إن حياتي (وكما أعتقد)، ليست بتلك الحياة التي أستطيع القول عنها بأنها حياةُ إنسانٍ تستحق أن تُعاش، بل على العكس هي مقبرة والمقبرة لا يوجد بداخلها سوى جثة هامدة تقبع في سكونٍ مؤلم ولا يحركها أي ريحٍ من رياح التغيير أو حتى أن تشعر بتلك البهجة التي يشعر بها أي إنسانٍ طبيعي.

في حياتي يا من تقرأ هذه الكلمات أو تقرأين هذه الكلمات، لن تجد سوى التعاسة فقط والشعور المتكرر بالخيبة وأن روحي ولدت ميتة من الأساس، من قبل أن ترى النور أو حتى أن تلامس أقدامي الأرض (أي بدايات الطفولة على محاولة المشي)، وأن السقوط المتكرر هي المحطات الأبرز التي كانت مرافقة لي حتى وصلت إلى هذا النضج اليوم والذي دفعني إلى كتابة هذه الأحرف إليك.

في حياتي، لن تستطيع قراءة أي عبارة من عبارات النجاح وإن قرأتها فسوف يكون منطوقها بروحٍ ميتة، أي أنني لم أستشعر ذلك النجاح بداخلي ولربما السبب في ذلك أن وصوله إلى حياتي قد أتى بعد أن عَبَرَ قطار التمني والرغبة في تحقيق النجاح بالتوقيت الذي كنت أراه مناسباً بالنسبة لي.

في حياتي، لا أستطيع أن أعطيك أي وعد بالبقاء في الجانب الإيجابي من الحياة لأن الأمل هو الألم من وجهة نظر بعض الفلاسفة على الرغم من أن الشخص الإيجابي الجيد سيحاول التغلب على الألم بزرع بذور الأمل لكن انتظار الشيء المفقود هو ألمٌ مستمر، لا يتوقف برغبتنا في التوقف ولا تستطيع منح نفسك تلك البطاقة التي ستُدخل البهجة إلى روحك بمجرد وجود الأمل في داخلك لأجل أن تكافح ألمك، فهذه حياتي التي لم أستطيع كبح الألم فيها (لا من خلال الأمل أو التفاؤل أو حتى الشعور الجيد والمُرْضي تجاه كل شعورٍ مأساوي يدفعني إلى الألم).

في حياتي، هناك الكثير من المنغصات والقليل من الفرح، لأنني اعتدت ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً على أن أبكي أسبوعاً بحاله وأن أفرح يوماً واحداً فقط، وأما بعد أن وصلت إلى هذا اليوم فإنه يبدو بأنه لا مجال لي في أن أحاول كل مرة لكي أزيد من مساحة الفرح وأن أقلل من مساحات الحزن الشاسعة والتي قد تمتد لآلاف الهكتارات داخل حياتي والسبب بكل بساطة (وبحسب ما أعتقد) أن الفرح في حياتنا هي ساعة وأن المنغصات وأيام الحزن والبكاء هي ساعات وربما سنوات وسنوات.

في حياتي، لربما هناك البعض من الإنجازات التي يراها غيري أنها إنجازاتٌ فارقة، لكن بحسب إيماني ووجهة نظري البسيطة تجاه الموضوع، فأنا أريد الأفضل من ذلك على الرغم من أن أحدهم أخبرني ذات يومٍ بأن هذه هي حال الدنيا التي لا تمنحك كل شيء تريده بل تمنحك ما هو في الصالح العام بالنسبة إليك وأما عدا ذلك وإن كنت تعتقد أنه فرحة بالنسبة إليك فإن الدنيا ستسلبه منك ولن تدع لك أي فرصة في محاولة الحصول على مبتغاك.

في حياتي، أستطيع كتابة المئات من الأسطر عن حالاتٍ كثيرة مررت من خلالها وكان الحزن والبكاء والشعور بفقدان الرجاء هي السمة الأبرز في هذه الحالات، ولكن إن أتيت على ذكر بعض المحاسن أو المشاعر الإيجابية والتي تجعل من يقرأها أو يشاهدها، أن يشعر بالرضا تجاه ذاته فإن القلم لا يستطيع التحرك ... وأصابع يدي لا تستطيع المرور على لوحة المفاتيح الخاصة بجهاز الحاسب المحمول لأجل الكتابة عن شيءٍ من هذا القبيل.

لربما هناك من يرى بقعة الضوء الصغيرة الجميلة في حياتي هي كالشمس المشرقة، لكن في حياتي أستطيع رؤية الظلام الدامس مثل ثقبٍ أسود ثائر، يريد التهام كل شيء يقع أمامه ولا يترك له فرصة الهرب أو حتى النجاة من هذا الظلام الدامس.

ولهذا الأمر، قد كتبت اليوم عن أن حياتي لا تستحق أن ينظر إليها بتلك النظرة المطولة من أجل دراستها أو تفحصها ومحاولة استخراج أي معلومةٍ مفيدةٍ منها، وأن أدعوه لكي يذهب ويرى لدى أشخاصٍ آخرين لربما لديهم ما يستحق أو يشجع ما بداخل النفس في الرؤية ومحاولة الاستفادة مما لديهم.

أما في حياتي، فأعتقد بأن العثور على المفيد والنافع أو بصيغة أخرى ما هو بشيءٍ ذا قيمة، أقرب ما يكون إلى المستحيل من كون وجوده واقعاً، وهي حقيقة يستطيع الإنسان الطبيعي إدراكها أو حتى الشعور بها.

ولا تشعر بالقلق حيال أن وقتك الثمين في قراءة هذه الأسطر قد ضاع سدى بل إن سبب كتابتي لما أردت كتابته إليكم هو أن أنقل إليكم عن حقيقة ما في داخلي، وإن كانت من وجهة نظركم أنها أوهامٌ تصيب الإنسان والتي تجعله يعتقد في قرارة نفسه بأن القيمة من تواجده بين البشر هو أمرٌ خالٍ من أي منفعة بل حتى يعتقد بأن تنفسه لهذا الأكسجين الذي يطفو على الأرض هو جريمةٌ في حد ذاتها. وأنه يجب عليه أن يخفض كثيراً من آثار هذا التواجد حتى لا يكون الاستهلاك بدون أي عائد.

لذلك فإنني أقول على سبيل أن أختم هذه الأسطر حتى لا يصيبك الإحباط أكثر أو حتى لا أتسبب في استهلاك المزيد من الأحرف بأن ما في حياتي هو مجرد تكرارٍ فقط لكل شيء سواءً في عدد مرات السقوط أو حتى عدد مرات المحاولة، وفي أحيانٍ كثيرة يكون تكراراً لنفس الآلام التي تؤذيني فيها هذه الدنيا والتي إن لم أستطع مقاومتها اليوم فليس أمامي من خَيارٍ آخر سوى التقبل بصدرٍ مليءٍ بالألم وأن في كل مرة تهطل دمعةً واحدةً من عيني، لا أحاول أن أدفعها لكي لا تسقط، بل أتركها تنزل على خدي بالرغم من سخونتها العالية وحملها لكثيرٍ من المشاعر بالأسى وذلك النحيب الصامت في أن يداي مكتفتان ولا تستطيع أن تعمل المزيد من الجهد أو المحاولات الإضافية لأجل الرغبة في التغيير.


 محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Tuesday, May 9, 2023

أنا فاشل

وحيداً أمام شاطئ البحر أجلس، أنظر إلى تلك المساحات الزرقاء الشاسعة أمام عيني في عتمة الليل السوداء، متأملاً في ذلك الفضاء البعيد أمام عيني وألف معركة تسري بداخلي، وكأن براكين الأرض جميعها تغلي بداخلي، وتلك الحمم اللاسعة تتأجج في ذاتي.

إنها صرخات متعددة إلا أنها تشترك في نداءٍ واحد "أنتَ شخصٌ فاشل"

ومع كل هذا الصراخ الذي يدوي بأنين ألمه في داخلي إلا أنني في هذه اللحظة أستمع إلى تلك الأغاني التي كنت أستمع إليها في طفولتي من خلال قناة شباب المستقبل والتي كانت مليئة بعبارات الأمل والنجاح والحلم والطموح والشغف ولكن برغم كل ذلك فقد فشلت وكان فشلي ذريعاً ومسلماً به.

وعلى الرغم أيضاً، من أن القاعدة المسلمة بها والتي تقول بأن الأشخاص الجيدين لا يشعرون بأنهم جيدين وأن الأشخاص السيئين يشعرون بأنهم جيدين، إلا أن شعوري تجاه ذاتي سواءً كنت شخصاً جيداً أم سيئاً هو الشعور ذاته وهو الشعور بأنني شخصٌ فاشل في نظر نفسي.

لا أعلم ما هو المعيار الذي صنفت به نفسي على أنني فاشل لكن طالما لم أستطع ترك ذلك الأثر أو البصمة الفارقة فأنا أعتبر نفسي تسليماً بأنني شخصٌ فاشل.

نعم أنا فاشل، على الرغم من انتاجي لأربعة أعمالٍ أدبية، أولها كانت عن رسالة التسامح والسلام بين الشعوب وأن أدعو الناس إلى ترك تلك النظرة التي تقسم البشر بناءً على معايير عنصرية وهي رسالة رائعة في أن تصل أصداءها إلى جميع أصقاع الأرض، وأما عن ثاني هذه الأعمال فهي القصة الفاشلة التي عشتها خلال مرحلة دراستي القصيرة خارج أرض الوطن، وعن العمل الأدبي الثالث فأستطيع القول بأنه عمل يدعو إلى النظر تجاه الصداقة من زوايا نظر مختلفة وأن أدع الآخرين يقرأون ما تعلمته عن الصداقة وأن أترك المجال لهم لكي يحكموا على هذه الرواية من منظورهم الشخصي تجاه الصداقة، وآخر هذه الأعمال فهو كما يطلبه المشاهدون أو لنقل القارئون الذين يرغبون في قراءة أمرٍ مختلف بلا رسالة أو هدفٍ في نهاية هذا العمل الأدبي والذي كنت أتحدث فيه عن متناقضات مختلفة تسري بداخل الإنسان ولا يعلم ما هي مصدرها أو لماذا يطرح تلك التساؤلات حول تلك الأفكار التي أوردتها في هذا العمل.

نعم أنا فاشل، على الرغم من قيامي بالسفر إلى 7 دول من حول العالم وبناء علاقات اجتماعية مع أشخاص من دول شقيقة وصديقة لوطني بالرغم من وجود أشخاص آخرين قد سافروا إلى عدد أكبر من هذا الرقم لكن العبرة في الغاية من السفر، هل لأجل بناء سيرة ذاتية مع أحد مواطني هذه الدولة التي تزورها أم من أجل رحلةٍ عابرة فقط لأجل اخبار الآخرين بأنك قد سافرت إلى تلك الدولة بعينها.

نعم أنا فاشل، لأن من يتابعني لا يتجاوزون الخمسة عشر شخصاً على الأرجح وذلك على منصات التواصل الاجتماعي والتي هي حديث العالم هذه الأيام وهي المكانة الحالية التي تستطيع من خلالها إبراز نفسك للعالم وأن تقول لما يربو على السبعة مليار نسمة ها أنا ذا.

نعم ... كلها علاماتٌ للفشل لأنني لا أستطيع النظر إلى ذاتي بعين الرضا.

أشعر بأنني لا أعيش في ذلك الزمان الذي أستطيع من خلاله أن أشعر بتقديري لذاتي.

لربما أنني سبقت هذا الزمن المنشود أو ربما هو من سبقني وفي المجمل فأنا لا أريد إلقاء اللوم على أحد كائناً من كان وجل ما أريده هو لملمة هذه الخيبة التي تسري بداخلي على الرغم من آثارها المزعجة التي تدفع ذاتي دوماً نحو الهاوية.

 

 محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم