Sunday, December 23, 2018

الصراع من أجل البقاء

            آآآه ... تنهيدة طويلة و عميقة أطلقها في ساعات الصباح الباكر حيث تشير الساعة الآن و أنا أكتب هذه الكلمات إلى قرابة الثالثة فجراً و الهدوء هو السمة الأبرز للمكان من حولي. و لا أسمع سوى صوت صرير الرياح المرعب خارج المنزل و كذلك لا توجد أثناء هذه اللحظات إلا أنغام عزف البيانو الهادئ, مستمعاً إليه عبر الراديو.
            قررت الكتابة و نحن في الثالث و العشرين من ديسمبر العام 2018 و العام الميلادي الجديد يقترب شيئاً فشيئاً.
            نعم, إنه العام 2019 و العمر يتجه إلى الدنو و أنا على بوابة الثلاثين من العمر.
            في هذه اللحظات و أنا لازلت على إصراري القديم بأن عمري الحقيقي هو الثامنة عشر أو العشرين من العمر و ليس الثلاثين, لازلت أصارع صراع البقاء من أجل الهرب من النهاية.
            نهاية هذه القصة التي بنيتها و ناضلت لأجلها ذلك النضال الشديد حتى أبدو قوياً أمام الناس.
            صحيحٌ أن العمر ليس بالأرقام. لكن ما أؤمن به حقيقة هو ما هي منجزاتك خلال هذا الطريق الطويل الذي قطعته و عاصرته بكل تفاصيله؟
            دائماً في هذه الأيام من نهاية العام الميلادي و خصوصاً أنني بدأت هذه العادة منذ العام 2014, أتذكر حينا القديم و الذي قضيت فيه طفولتي و مراحل مراهقتي. ثم أنتقل بعد ذلك إلى السنوات القليلة التي عشتها في منزلنا الجديد و كنت و لازلت حتى اليوم أشعر بأني كنت زائراً خفيفاً في ذلك المنزل. حيث الذكريات فيه لا تزال باهتة بلا مشاعر. و من بعد ذلك أتت مرحلة الاستقلال عن العائلة و السفر إلى خارج البلاد من أجل إثبات هويتي هناك.
            و حين عدت مجدداً و أنا خائب الأمل بشكل كلي, قررت الاستمرار في هذا الصراع و هذا النضال هنا في وطني و بين أهلي. و مع ذلك كنت أشعر بالغربة و أنا بينهم.
            نعم, هذا هو الشعور الحقيقي الذي كان مشتعلاً بداخلي منذ عودتي من بلاد الغربة حتى يومنا هذا.
            في الحقيقة يا أعزائي القراء, لقد كنت أشعر كأني شخصٌ أجنبي تم جلبه من الخارج و ذلك بتأشيرة عامل.

            أبكي؟ ... سؤالٌ صعب و لا أستطيع شرحه أو إيصال شعوره إليكم. خصوصاً حين تنتقل إلى مدينة أخرى لظروف العمل ثم تجبرك الحياة على العودة إلى مسقط رأسك من أجل حضور فعالية ... تعتقد و بشكل جازم أنها الفعالية الأنسب لإثبات نفسك.
            لكن أمام مَنْ؟
            أمام من دفعوا بمشاعرك و أحاسيسك للشعور و الإحساس بأنك مجرد عضوٌ زائد في هذه الحياة. أو لنقل بتعبير آخر ... أنك إصبع زائد و لا حل مع هذا الإصبع سوى البتر.
           
            ألم أقل لكم أنه صراع من أجل البقاء !!!
            أن تصارع وحيداً و لا يستمع إليك أثناء بناء خططك أو مهام أعمالك سوى جدران صامتة لا حيلة لها سوى الإنصات.
            بالطبع هناك أصدقائي و المحبين من حولي و كذلك جمهوري العزيز ممن يدعموني و يشجعوني دائماً على السير بخطى واثقة و ألا أقلق من شيء.
            لكن أكاد أرى نفسي كربان سفينة, يقودها وسط بحرٍ هائج و الأمواج تتلاطم بالسفينة من كل حدب و صوب. و الركاب من خلفه يشجعوه و يدعموه حتى لا تنكسر عزيمته و يصل بهم إلى بر الأمان. ثم بعد الوصول إلى الأرض بكل سلامة و عافية, يكون الكل هناك في اشتياق لاستقبال قريبه أو أخيه أو زوجته أو حتى أبنائه و الاطمئنان عليهم بعد النجاة من هذه العاصفة المدوية و ذلك بفضل من الله عزوجل ثم بفضل هذا الربان.
            و أما الربان فهو يحمل حقيبته و يسير وحيداً ... راسماً ابتسامة مزيفة أمام الحاضرين الذين يهتفون لشجاعته و بسالته في إنقاذهم من الموت.
            و في خطوات هذا الربان و هو يسير وحيداً نحو منزله فإنه يعلم يقيناً بأن لا أحد سيطمئن عليه, بل سيعود و في صمت إلى ذلك السرير المريح في غرفة نومه من أجل الاستلقاء و الاسترخاء بعد أن كانت حياة مجموعة من البشر على المحك.
            مع أن البعض من حولي و ممن يقدمون لي النصيحة ( مشكورين على ذلك ) يعتقدون بأني شخصٌ واهم و أني أعتقد بداخلي أن وجودي على هذه الأرض هو بمثابة طوق النجاة للبشرية. على الرغم من عكس ذلك, فأنا أشعر بغربة شديدة جداً و لا أعلم إلى أين المصير بعد ذلك.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Tuesday, December 11, 2018

الخذلان

            استيقظت متأخراً هذا المساء و كانت الساعة تتجه بعقاربها نحو التاسعة تماماً.
            نهضت و الكسل يرهقني كثيراً و شعرت بأن جسدي عبارة عن صفيح ساخن من الألم الشديد.
            نعم , نهضت من هنا ثم توجهت لكي أغسل وجهي من آثار النوم. و أما خطوتي التالية بعد استعادة نشاطي هو تفقد المنزل و الاطمئنان على أحوال أسرتي. حيث أن أبي كعادته لا يعلم عن أحوالنا و قد أوكل مهمة الاهتمام بالمنزل إلى أمي. و أما أمي فقد كانت تنتقم من أبي و تصرفاته و لهذا لم تكن تقوم بدورها كدار للأمان و الاطمئنان.
            لقد اعتدت أنا و أخوتي الأربعة على هذا الخذلان الكبير منهم و في الحقيقة أنا أيضاً لم أعد أهتم لأمرهم و لم أعد أحرص على تفقد أحوالهم. حيث أن جل اهتمامي هو رعاية أخوتي و مساعدتهم في دروسهم اليومية.
            لم أكن أعي ذلك القدر الكبير بكلمة والدين و مع هذا فأنا لم أتجاوز تلك الخطوط الحمراء الخاصة بهم.
            أعي جيداً بعد أن أصبحت في الخامسة و العشرين من عمري معنى الخذلان جيداً. و لهذا أصبحت أكثر حساسية من المحيطين بي و من المجتمع بأكمله.
            لقد دفعتني هذه التجربة المريرة إلى زيادة وحدتي و ابتعادي عن الآخرين أكثر من السابق.
            و في بعض الأحيان أفكر في أولئك الأيتام الذين فقدوا والديهم و المقدرة الكبيرة التي يملكونها على تجاوز حقيقة وحدتهم البريئة في هذا العالم.
            ربما استطاعوا ذلك لأن هذا أمر ليس باختيارهم أو اختيار والديهم الذين رحلوا. بل هو اختيار القدر.
            و هنا تتجلى رحمة الله عزوجل بأن يكون هؤلاء الأبناء شفعاء لوالديهم وذلك بكثرة الاستغفار لهم و أيضاً ربما تكون و بطريقة غير مباشرة رحمة للوالدين بالابتعاد عن أبنائهم.
            إذا محصلة الأمر أن ما حدث لم يكن باختيارهم. لكن ما حدث معي و مع أخوتي لم يكن إلا باختيارهم أنفسهم و أنها حرب انتقامية بين الطرفين و ضحيتها نحن الأبناء.
            الذي وصل الأمر بي إلى سؤال نفسي ( لماذا حضرت إلى هذا العالم ؟ )
            إذا كان شعوري أن العالم الداخلي و هو منزلي, يرفضني و أن العالم الخارجي لا يهتم لأمري لأن لديه ما يكفي من المشاكل الله وحده أعلم بها ... إذا لماذا أنا هنا ؟ 
            إنها تجربة مريعة أن تعيش هذا النكران في الحياة و أن ترى هذا الخذلان العميق من أشخاص تحبهم و تكن لهم الكثير من الاحترام و التقدير.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم