Friday, May 8, 2020

زحمة الحياة

لقد كنت مستلقياً على ذلك الكرسي المريح ثم نهضت فجأة وبلا مقدمات واتجهت إلى المطبخ وذلك لكي أحضر لنفسي شيئاً لم يعتد البشر على سماعه خصوصاً لمن يبلغون الخامسة والثلاثين من عمرهم أو أعلى من ذلك، حيث أنني حضرت لنفسي رضاعة للأطفال وبها حليب منعش!!!
يا ترى لماذا قمت بهذا الفعل وأنا كبير في السن؟
لربما السبب الوحيد لذلك هو أنني قد ضعت كثيراً في زحمة هذه الحياة ولم أكن أنتبه لتفاصيل حياتي وهي تكبر يوماً بعد يوم.
وللأسف فقد سلبتني زحمة هذه الحياة من أجمل المراحل التي من المفترض على روحي بأن تعيشها وهي مرحلة المراهقة ثم مرحلة الشباب ثم المرحلة الآنية من حياتي.
واليوم أريد أن أعود بنفسي من خلال هذه الرضاعة الصغيرة إلى ذلك الزمن في الماضي حين لم تكن الحياة مزدحمة ولم يكن هناك ما يشوش ضميري أو يشوش عقلي أو حتى أن يشوش حياتي.
حين كنت في تلك الفترة صافي الذهن ومليئاً بالطاقة الإيجابية والمشاعر السعيدة وكل عناصر البهجة والفرح التي كان يعيشها أي طفل صغير لا يزال يشرب حليبه عبر رضاعة صغيرة.

نعم، إن زحمة الحياة مخيفة للغاية لأنها تركض بنا إلى مجهول غامض ومن هدف إلى هدف آخر ومن ذكرى إلى ذكرى أخرى ومن تجربة إلى تجربة أخرى سواء كانت تجربة ناجحة أم تجربة فاشلة.
وكل هذا يمر أمام أعيننا بلمح البصر ولا ندرك بأهمية تلك الدقائق والثواني الذهبية التي تطير من حياتنا، ثانية تلو الثانية ودقيقة تلو الدقيقة ونحن نركض ونركض ونركض في زحمة هذه الحياة لعلنا نصل إلى ما يرضي ذواتنا ويرضي طموحنا ويشبع شغفنا ويجعلنا نشعر بالفخر لما وصلنا إليه.

للأسف ... فإنني أقولها اليوم وبكل ما لكلمة أسف من معنى وعمق في المشاعر بأنني لم أدرك تلك الأيام التي مضت ورحلت من حياتي، ولم أكن أفهم معنى أن تذهب ساعة من حياتي ولم أكن أدرك ما معنى أن تغيب شمس هذا اليوم منتظراً ظهورها مرة أخرى في اليوم الذي يليه.
ولهذا فقد كنت أركض إلى المطبخ من أجل تحضير هذه الرضاعة حتى أخبر نفسي بأن عليها أن تتمهل رويداً رويدا وأن تدرك بأن كل ثانية وكل لحظة من عمرنا إن ذهبت فلن تعود.
وعليها أن تدرك بشكل عميق ما معنى كلمة [ زحمة الحياة ].
هذه الزحمة التي تتنوع بين زحمة المهام والمسؤوليات، وزحمة الواجبات المفروضة علينا، وزحمة تواصلنا واتصالنا مع الآخرين من حولنا.
وهي الزحمة التي تجعلنا نفقد اللذة في استشعار معنى أي لحظة سعيدة أو حزينة تمر من أمامنا ونشعر حينها بأن عجلة الزمن قد توقفت لفترة قصيرة ثم بعد ذلك تواصل هذه العجلة مسيرها من جديد ولا تأبه لما يحدث معك حينها من حدوث أي متغيرات على روحك وعلى نفسيتك من الداخل.  
يا للهول!!!
يبدو أنني قد كتبت الكثير والكثير أثناء تحضيري لهذه الرضاعة الرائعة، لكن هل هذا يعني بأنني سأتوقف عن الركض في هذه الحياة؟
بالتأكيد ... لا
لأننا إذا توقفنا فسوف تتوقف عجلة دوران الكرة الأرضية بكبرها وهنا ستحدث أشياء لا نريد ولا نتمنى أبداً بأن تحدث في حياتنا.
ولهذا فإن أفضل سبيل وأفضل حل هو أن تدع الطبيعة تأخذ مجراها الطبيعي من حيث التقدم في العمر وأن الأيام ماضية سواء أردت ذلك أم لم ترد، لكن علينا في الجانب الآخر أن نوازن جميع الخطوات وجميع التحركات حتى لا نشعر بالأسف في آخر الأيام من حياتنا بأننا فعلاً قد ضعنا في زحمة هذه الحياة


محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم