Friday, January 26, 2018

شعور الاكتفاء

            إن من أقسى المشاعر التي يمر بها الإنسان هي شعور الاكتفاء, شعور عدم الرغبة في المواصلة, شعور الانعزال التام عن من حوله من البشر. و الأكثر بشاعة من ذلك هو شعور بانتهاء الحياة بشكل نهائي حتى و إن كان في ريعان شبابه.
            يحاول كثيراً و جاهداً في سبيل الحصول على فرصة جديدة أو على الأقل التمسك بما تبقى لديه من فرص متاحة بين يديه, لكن جميع الطرق أمامه مسدودة و لا مجال لمواصلة المسير حتى لو كان ذلك يكلف الكثير, حتى لو كان ذلك يكلف المشي حافي القدمين على أرض من الشوك.
            هذا الشعور المرعب الذي أتحدث عنه لا يشعر به سوى من حاول كثيراً أن يحطم في كل شيء أمامه من صخر أو جليد أو تراب أو حتى سهول و وديان و لكن عندما يتجاوز مرحلة معينة تأتي المراحل من بعده أصعب و أصعب حتى لا يجد شيء أمامه يستطيع التشبث به و مواصلة السير.
            أكاد أن أصف هذا الشعور بغرفة سوداء مظلمة لكن جدرانها الأربعة عبارة عن مرايا يستطيع أن يرى المرء فيها انعكاس نفسه فقط و لكن وسط الظلام. هل يستطيع السير؟ هل يستطيع أن يرى ما هي الخطوة التي أمامه؟ هل يستطيع أن يلمس أي شيء أمامه. إنه لا شيء. عالم مفرغ من الحب و المشاعر و العواطف و الأهم من ذلك الاهتمام و الشعور بالوجود الإنساني
            حين يخالجني هذا الشعور في كل مساء, أبدأ في محاولة التخفيف من آثاره و ذلك بالترويح عن النفس و تسلية الروح و الحديث مع العقل و تهدئة ذلك القلب العاطفي الشغوف و المتعطش لكل مشاعر الحب و الاهتمام التي يفتقدها في حياته.
            أبدأ في تفتيت هذه الأوهام و هذه الهلاوس و الصور الغير مرئية و كذلك الشعور الجاف بانعدام الحياة من حولي. و أني وصلت إلى أقصى ما يطمح له الإنسان أن يصل إليه في هذه الحياة. و أحاول كذلك أن أشبع كافة الحواس التي تشعر بالملل من هذه الحياة حتى لا أصبح مخنوقاً متعطشاً لأي كلمة قد تنقذني من شفير الهاوية إلى عالم لا عودة فيه.
            حتى لو هربت من كل شيء من حولي و أصبح هذا الشعور هو الشيء الوحيد الذي يواجهني فإني لا أتركه يترصد بي أو بتحركاتي و لا أسمح له بأن يدفعني للانهيار أو السقوط راكعاً على الأرض.
            هذه ليست مقالة و إنما خاطرة و فضفضة للقلب فقط من أجل التعبير عن شعور التعب و الأسى و حال التيهان التي أمر بها في بعض الليالي المظلمة و التي لا تحتوي عاطفتي سوى هذه الصفحة فقط.

محبكم
أحمد حسين فلمبان
{ كاتب & محاسب }
#إبتسامة_قلم 

Tuesday, January 9, 2018

أنا الطفل الحزين

          تخيل أن تستيقظ يوماً من الأيام و تكتشف أن حياتك عبارة عن دفتر خالٍ من المشاعر و الأحاسيس. تخيل أن تستيقظ في ذلك اليوم و تكتشف أن حياتك عبارة عن صفحات مكررة و متكررة طوال سنوات عديدة غير محددة البداية و لا تستطيع أن تحدد النهاية لهذا الدفتر.
          هل تخيلت؟ فما رأيك إن أخبرتك أن هذا هو واقع أحد الأطفال البؤساء الذين يجوبون في إحدى الشوارع المظلمة في مدينة نيويورك. هل تتخيل مدى كرهه لهذه الحياة و مدى قسوة قلبه حين يكبر؟ هل تتوقع أن يصبح يوماً من الأيام رجلاً عظيماً أم أنه ربما يكون أحد الفقراء في إحدى الأحياء الفقيرة؟
          في الحقيقة أنا لا أراه طفلاً, بل أراه رجلاً بالغاً راشداً و محباً لكل ما حوله. أتعلمون تلك القصة العجيبة التي كنا نسمعها صغاراً حول بائعة الكبريت. نعم, بالفعل هذا ما يدور بداخلي حول هذا الطفل البائس و حياته البائسة.
          مشاعر عميقة تجول في خاطري حين أراه هائماً على وجهه لا يعرف أين الخلاص من هذه الحياة أو حتى لا يعرف ما معنى الحياة من أساسها. أشعر أن قلمي يبكي حين يرى هذا الطفل المسكين من خلال نافذة شقتي المطلة مباشرة على ذلك الشارع الذي يجوب فيه. و على الرغم من مواساتي لقلمي إلا أن القلم أبى, حتى يكتب عن هذا الطفل و عن مأساته الفظيعة و عن حياته التي لا يرى فيها أي قيمة تذكر أو أي إضافة لهذا الكون.
          حاولت أن لا أبوح بكل مشاعري و بكل ما يجول في خاطري لكن دمعتي سبقت كل هذه المشاهد و ارتأيت لو كنت مكان هذا الطفل الحزين. كيف سوف أتصرف و كيف سوف أفعل و إلى أين سأذهب؟ من سوف يمسح دمعتي و من سوف يجبر كسر خاطري و من الذي سيواسي حزني الفظيع في مواجهة هذه الحياة.
          و بعد لمحات عدة و مشاهد متعددة حول هذا الطفل, قررت أن آخذ سلاحي ألا و هو قلمي و أن أسطر هنا في هذا المقالة بعض الأحرف لعلها تشفي غليل ذلك الطفل و لعلها تسترد له بعضاً مما سلبته الحياة منه. و لعلي هنا أسلط الضوء حول أولئك البشر الذين لا يسمع أنينهم أو صوت بكائهم سوى الله عزوجل فقط. و ربما أستطيع أن ألفت نظر البعض بأن يقدروا على أقل تقدير أولئك البشر و أن لا يسمحوا لأنفسهم بالتجرؤ في الحديث دون معرفة أوضاعهم.
          و حين بدأت في الكتابة تذكرت عزف الناي الذي كنت أسمعه حين كنت طفلاً صغيراً من خلال نافذة جارنا المطلة مباشرة على منزلنا. لقد كان عزفاً أليماً مليئاً بجرعات حزينة و كنت أشعر على الرغم من طفولتي في ذلك الوقت, أن جارنا يريد أن يتحدث إلى أحدهم لكن لم يكن يسكن معه أحد. فقد ماتت زوجته و أبنائه و بناته في حادث سيارة بحسب ما أخبرتني به أمي و لهذا فقد كان جارنا يعزف بكل هذا الألم و المأساوية.
          هذا العزف جعلني أكتب و دمعي يهطل و منظر الطفل من أمامي و هو يذهب و يجيء دون أن يلتفت له أحد من المارة و دون أن يشفق أحد على مساعدته. و الشيء المحزن الآخر أن الثلج كان يهطل بغزارة في الخارج و جل ما كان يرتديه ذلك الطفل هو قميص ذو أكمام طويلة و بالية و مقطعة و سروال خفيف لا يكاد يحميه من شدة البرد. لقد حاولت أن أعبر عن ما يكنه هذا الطفل من مشاعر و استمررت في الكتابة حتى انهرت باكياً و تناثرت الأوراق من حولي و ذهبت مسرعاً نحوه حتى أحتضنه بدفء.
          لكن للأسف جل ما كنت أراه هو مجرد وهم من الخيال. فذلك الطفل لم يكن يعبر سوى عن طفولتي و عن حياتي التي لم أكن أدرك أي معنى لها حتى وصلت إلى سن البلوغ. نعم, هذا الطفل هو أنا و أنا هو ذلك الطفل الحزين. لا أعلم لما أعبر عن طفولتي بهذا الشكل البائس لكن هي مشاعر أريد أن أطلقها حتى لا تظل حبيسة في خزانة القلب و في أرشيف الذكريات.
          و كل ما أدعو به و أرجوه هو أن أحصل على خاتمة سعيدة و جميلة لحياتي و أن لا تستمر هذه المشاعر مدى العمر.

محبكم
أحمد حسين فلمبان
{ كاتب & محاسب }

#إبتسامة_قلم

Monday, January 1, 2018

هل أنت تحبني بصدق؟

لقد تحدثت عن الحب كثيراً, كثيراً جداً في عدة منشورات نشرتها عبر حسابي بالانستقرام. و تحدثت حول مفهوم الحب العميق و الحب النقي و الصادق بين الأشخاص أيا كانت صفتهم و جنسهم و جنسيتهم و أياً كان لونهم و معدنهم من الداخل.
فالحب الصادق النقي من وجهي نظري هو الاهتمام و السؤال و تفقد الحال و كذلك محاولة معرفة ما الذي يجعل تلك اللؤلؤتين تذرف ماءاً نقياً في لحظة كتمان و صمت عجيب. الحب يا سادة هو أن تعلم بما يدور داخل قلب ذلك الشخص الذي أمامك من دون أن يتحدث أو حتى أن ينطق حرفاً واحداً.
لذلك فأنا من أكثر الأشخاص الذين يعانون من حب مكسور و قلة في الاهتمام و السؤال و كذلك تفقد الأحوال. على الرغم من أني أحببت هذا الجو الرائع و الصمت العجيب لكن كما ذكرت في مقالتي السابقة ( في عالم الصمت ) فإن الصمت الطويل و الكثير يؤذي و يؤلم و خصوصاً عندما يتكرر ذلك الحال كل يوم و كل ليلة و لا تعرف إلى أين الخلاص.
دعوني أخبركم مثلاً عن هذا اليوم. ففي هذا اليوم لم تصلني سوى رسالتين أو ثلاث فقط و من شخصين فقط و كانت دردشات عابرة و ليست عميقة. ليست تلك الدردشات التي تبحر بي إلى عالم آخر. كعالم السعادة مثلاً. فأنا من الأشخاص الذين يعشقون الدردشات السعيدة و البسيطة و التي تكون مليئة بضحكات صاخبة تأخذ بيدي من عالم الماضي المحزن حتى عالم الحاضر السعيد.
لكن و بالرغم من كل هذا فعندما أنظر إلى من حولي و بالذات من هم أقل مني كالأيتام مثلاً و مجهولي الوالدين الذين يسكنون في دور الأيتام و الفقراء المشردين في الشوارع, حينها أتنفس بشكل عميق ثم أحمد الله على ما أنا فيه من نعمة. قد تكون نقمة في وجهة نظري القصيرة و لكنها نعمة كبيرة في حياة كل من يتمناها و يرجو أن يحصل عليها.
حتى في لحظات السقوط و الشعور بأنه ليس هناك أي شخص يحبني أو يشعر بي أو على الأقل يفتقد وجودي في هذه الحياة, تأتي فجأة تلك الضحكات من ذكريات سعيدة عشتها مع أحدهم من أجل أن أستذكر تلك الأيام التي كنت فيها قوياً حتى في أحلك لحظات ضعفي و انكساري و شعوري بالهزيمة.
و في لحظات أخرى أشعر أن قارب الموت يقترب كما أشعر كل مرة أكتب فيها إليكم. لكن الشعور بهذا القارب له حالة خاصة تتكرر معي, ألا و هي حالة الضياع. تلك الحالة التي لا أشعر فيها من أنا و ماذا أفعل في هذه الحياة. و هل أنا إلى صعود أم إلى هبوط؟ هل أنا إلى نجاح أم إلى فشل؟ هل أنا موجود بين البشر أم مجرد كائن يتحرك في عالم الأموات الأحياء؟
و أيضاً حين أنظر إلى إنجازاتي منذ طفولتي و حتى الآن لا أعلم لماذا أنجزتها؟ و هل أنا أنجزتها من أجل أن يراني الآخرون و يشعرون بي و يهتمون بي؟ أم أني أنجزتها من أجل أن أحقق ذلك الرقم الصعب في حياتي؟
أتساءل منذ الطفولة, ما المغزى من وجودي ككائن بشري إذا لم يكن الحب يحيط بي؟ إذا لم يكن هناك اهتمام و تشجيع و تحفيز للأمام؟ أتساءل ... هل لكل ما أقدمه من عمل, جدوى و فائدة أم أنها أعمال عبثية لا مغزى منها و لا طائل؟
و السؤال الذي لا أعرف الإجابة عنه حتى الآن, إذا كنت مهماً جداً في حياة من حولي فأين هم عني كل يوم و كل ليلة؟ هل أنا في أدنى سلم الأولويات لديهم أم في أعلاها؟
و كل ما يصيب جمجمتي بالانفجار البركاني هي رؤيتي و هم على هواتفهم كل يوم و الرسائل لا تتوقف و المحادثات لا تتوقف و الضحكات أيضاً لا تتوقف.
حسناً, أين أنا من هذه الخريطة ولماذا لا أجد شخصاً يتحدث معي باستمرار و كل يوم يجعلني من أوائل الأشخاص الذين يقولون لهم ( صباح الخير يا صديق ؟ ) ( صباح الخير أيها الحب ؟ )


هنا يقف القلم عاجزاً عن الحديث ....


محبكم
أحمد حسين فلمبان
{ كاتب & محاسب }

#إبتسامة_قلم