Tuesday, January 9, 2018

أنا الطفل الحزين

          تخيل أن تستيقظ يوماً من الأيام و تكتشف أن حياتك عبارة عن دفتر خالٍ من المشاعر و الأحاسيس. تخيل أن تستيقظ في ذلك اليوم و تكتشف أن حياتك عبارة عن صفحات مكررة و متكررة طوال سنوات عديدة غير محددة البداية و لا تستطيع أن تحدد النهاية لهذا الدفتر.
          هل تخيلت؟ فما رأيك إن أخبرتك أن هذا هو واقع أحد الأطفال البؤساء الذين يجوبون في إحدى الشوارع المظلمة في مدينة نيويورك. هل تتخيل مدى كرهه لهذه الحياة و مدى قسوة قلبه حين يكبر؟ هل تتوقع أن يصبح يوماً من الأيام رجلاً عظيماً أم أنه ربما يكون أحد الفقراء في إحدى الأحياء الفقيرة؟
          في الحقيقة أنا لا أراه طفلاً, بل أراه رجلاً بالغاً راشداً و محباً لكل ما حوله. أتعلمون تلك القصة العجيبة التي كنا نسمعها صغاراً حول بائعة الكبريت. نعم, بالفعل هذا ما يدور بداخلي حول هذا الطفل البائس و حياته البائسة.
          مشاعر عميقة تجول في خاطري حين أراه هائماً على وجهه لا يعرف أين الخلاص من هذه الحياة أو حتى لا يعرف ما معنى الحياة من أساسها. أشعر أن قلمي يبكي حين يرى هذا الطفل المسكين من خلال نافذة شقتي المطلة مباشرة على ذلك الشارع الذي يجوب فيه. و على الرغم من مواساتي لقلمي إلا أن القلم أبى, حتى يكتب عن هذا الطفل و عن مأساته الفظيعة و عن حياته التي لا يرى فيها أي قيمة تذكر أو أي إضافة لهذا الكون.
          حاولت أن لا أبوح بكل مشاعري و بكل ما يجول في خاطري لكن دمعتي سبقت كل هذه المشاهد و ارتأيت لو كنت مكان هذا الطفل الحزين. كيف سوف أتصرف و كيف سوف أفعل و إلى أين سأذهب؟ من سوف يمسح دمعتي و من سوف يجبر كسر خاطري و من الذي سيواسي حزني الفظيع في مواجهة هذه الحياة.
          و بعد لمحات عدة و مشاهد متعددة حول هذا الطفل, قررت أن آخذ سلاحي ألا و هو قلمي و أن أسطر هنا في هذا المقالة بعض الأحرف لعلها تشفي غليل ذلك الطفل و لعلها تسترد له بعضاً مما سلبته الحياة منه. و لعلي هنا أسلط الضوء حول أولئك البشر الذين لا يسمع أنينهم أو صوت بكائهم سوى الله عزوجل فقط. و ربما أستطيع أن ألفت نظر البعض بأن يقدروا على أقل تقدير أولئك البشر و أن لا يسمحوا لأنفسهم بالتجرؤ في الحديث دون معرفة أوضاعهم.
          و حين بدأت في الكتابة تذكرت عزف الناي الذي كنت أسمعه حين كنت طفلاً صغيراً من خلال نافذة جارنا المطلة مباشرة على منزلنا. لقد كان عزفاً أليماً مليئاً بجرعات حزينة و كنت أشعر على الرغم من طفولتي في ذلك الوقت, أن جارنا يريد أن يتحدث إلى أحدهم لكن لم يكن يسكن معه أحد. فقد ماتت زوجته و أبنائه و بناته في حادث سيارة بحسب ما أخبرتني به أمي و لهذا فقد كان جارنا يعزف بكل هذا الألم و المأساوية.
          هذا العزف جعلني أكتب و دمعي يهطل و منظر الطفل من أمامي و هو يذهب و يجيء دون أن يلتفت له أحد من المارة و دون أن يشفق أحد على مساعدته. و الشيء المحزن الآخر أن الثلج كان يهطل بغزارة في الخارج و جل ما كان يرتديه ذلك الطفل هو قميص ذو أكمام طويلة و بالية و مقطعة و سروال خفيف لا يكاد يحميه من شدة البرد. لقد حاولت أن أعبر عن ما يكنه هذا الطفل من مشاعر و استمررت في الكتابة حتى انهرت باكياً و تناثرت الأوراق من حولي و ذهبت مسرعاً نحوه حتى أحتضنه بدفء.
          لكن للأسف جل ما كنت أراه هو مجرد وهم من الخيال. فذلك الطفل لم يكن يعبر سوى عن طفولتي و عن حياتي التي لم أكن أدرك أي معنى لها حتى وصلت إلى سن البلوغ. نعم, هذا الطفل هو أنا و أنا هو ذلك الطفل الحزين. لا أعلم لما أعبر عن طفولتي بهذا الشكل البائس لكن هي مشاعر أريد أن أطلقها حتى لا تظل حبيسة في خزانة القلب و في أرشيف الذكريات.
          و كل ما أدعو به و أرجوه هو أن أحصل على خاتمة سعيدة و جميلة لحياتي و أن لا تستمر هذه المشاعر مدى العمر.

محبكم
أحمد حسين فلمبان
{ كاتب & محاسب }

#إبتسامة_قلم

No comments:

Post a Comment