Thursday, October 25, 2018

من هذا الغريب ؟

            حين نولد في هذه الحياة نكون غرباء في أعين البشر. لا أحد يعرفنا أو أن يعلم ما هي نوايانا الداخلية على الرغم من صفاء ذواتنا الداخلية من أي حقد دفين أو كره تجاه الآخرين.
            ثم تمضي بنا الأيام حتى نمشي على أقدامنا و نبدأ في السير نحو المجهول .... السير نحو أشخاصٍ آخرين غرباء عنا. لا نعلمهم و لا يعلمون عنا أي شيء. و لكن القاسم المشترك هنا هو أن كل واحدٍ منا واثقٌ بنفسه و عالمٌ لما بداخله من أفكار و معتقدات و أيدولوجيات نحو الأرض من حوله و البشر و الشجر و الكائنات الحية.
            و هنا يأتينا الخوف المجنون من أن نفتح قلوبنا لهؤلاء الغرباء من حولنا. و الخوف يكمن في تدنيس أو تشويه لما بداخلنا و الذي قد يحدث بسبب الاتصال مع الآخر.
            يقال و العلم عند الراوي أن القوة تجذب القوة و أن لكل فعل ردة فعل أخرى و أن البيئة المحيطة بالإنسان تؤثر عليه بشكل إيجابي أو سلبي. و لهذا فإن الذوبان في حياة الغريب و الانصهار رويداً رويدا في حياته تبدأ مع إلقائك كلمة ( مرحبا ) في بداية اللقاء.
            و لهذا أخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه و سلم بأن الأرواح جنودٌ مجندة ما تآلف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف. و من هنا تنطلق مسيرة مجهولة مع هذا الغريب و الذي إما أن تتآلف أرواحنا معهم أو ربما تختلف.
            و إذا تآلفت الأرواح فإنها تبدأ في الاندماج و تبادل الأفكار و الرؤى فيما بينها ثم يصبح هذا الغريب هو من أعز أصدقائنا.
            لكن السؤال هنا:- هل نضع كامل ثقتنا في هذا الغريب كما كنا و نحن أطفال و غرباء عن الآخرين كامل ثقتنا فيمن حولنا و هي ثقة عمياء مطلقة و خصوصاً والدينا؟
            الحقيقة أن الإنسان كلما يكبر تصبح علاقته مع الحياة طردية. فحينما يكون الإنسان طفلاً جاهلاً بالعالم من حوله تكون ثقته بالغرباء عالية. و تبدأ في التناقص تدريجياً مع كل تجربة فاشلة و مع كل خيبة أمل و كذلك كل صدمة عمر في حياته.
            حتى تصل في بعض الأحيان إلى الانعدام و تفضيل حياة الوحدة و العزلة عن الآخرين.
فكلما زاد وعي الشخص و رجاحة علمه و رأيه و أصبح عالماً بنفسه و مدركاً لتصرفاته و ردة فعله كلما انخفضت ثقته بالغرباء مع التقدم في السن.
            و لهذا فإني أعتقد و الله أعلم أن على الإنسان استخلاص درسٍ واحد مع كل تجربةٍ فاشلة أو خيبة أمل و وضعها في قاموسه كنتيجة اختبارٍ شخصي لا نقول أنه رسب فيه و لكن لم يستطع اجتيازه.
            و حين يهتم أكثر بهذا القاموس و يقوم يوماً بعد يوم بتحسينه و الاهتمام به, فإنه سيصل إلى قناعة كبيرة بأن البشر ليسوا سواسية و إنما أنت في حاجة ماسة و مهمة لكي تقوم ببرمجة عقلك و التحكم بشكل أكبر في ردات فعلك.


محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
كاتب & محاسب
#إبتسامة_قلم