Monday, October 28, 2019

الصيف الماضي

لقد كانت ليلة شتوية قارسة البرودة والثلج الأبيض الرائع يتساقط في الخارج. مما دفعني إلى إعداد تلك القهوة الساخنة وارتشافها على مهل وأنا مسترخي كامل الاسترخاء على ذلك المقعد المريح في غرفة المعيشة والتي تطل على الفناء الخلفي للمنزل عبر واجهة زجاجية ضخمة.


إن منظر الثلج الأبيض في الخارج كان دافئاً للغاية. مما أدى إلى إغماض عيني لكي أستعيد بعض الذكريات.


ومن هذه الذكريات التي لا أستطيع وصفها لكم أحزينة هي أم سعيدة هو ما حدث لي ولأسرتي خلال الصيف الماضي.


حيث قررت في ذلك اليوم أن آخذ زوجتي أسمهان وابننا الوحيد حسام والتوجه بهم إلى إحدى الأكواخ الصيفية التي كانت تقام على أحد ضفاف البحيرة الكبيرة والشهيرة لبلدتنا البسيطة.

وبعد أن وصلنا وأمضينا ليلتنا الأولى والتي كانت ماطرة للغاية، ها هو اليوم الثاني يشرق من جديد. وبالنسبة لي فقد كان يوماً غريباً للغاية.

حيث أن نهاره مضى طبيعياً للغاية من دون وجود أي مشاكل تذكر. وقد اتجهت برفقة أسرتي نحو البحيرة لأجل الاستمتاع هناك وتمضية الوقت السعيد معهم.

ومع اقتراب المساء فقد اقتربت كذلك تلك الغيوم السوداء لتحول ليلتنا الثانية هنا إلى ليلة ماطرة أخرى.
وقد دفعنا هذا الأمر للعودة مجدداً إلى الكوخ.

وبداخل هذا الكوخ تركت ابني حسام ذو السبعة أعوام لكي يلعب مع والدته أسمهان.

وأما أنا فقد اتجهت إلى المطبخ لإعداد شيء ساخن حتى يبعث الدفء إلى جسدي. وبعد ذلك اتجهت نحو إحدى الغرف داخل الكوخ والتي كانت مجهزة من قبل إدارة هذا المكان لكي يستخدمها رجال وسيدات الأعمال كمقر مؤقت من أجل القيام بأعمالهم.
وقد احتوت هذه الغرفة على مكتب مصغر وكرسي مناسب للجلوس طويلاً عليه بالإضافة إلى إطلالة الغرفة على البحيرة وحديقة صغيرة ملحقة بالكوخ. وكنت أستطيع المشاهدة عبر واجهة زجاجية مشابهة للتي في منزلي.


وكانت الأمطار تهطل بغزارة في الخارج وضوء البرق يضيء المكان ……. وأما عن صوت الرعد فقد كان يبعث بعض الخوف عند سماعه.


وهناك أدرت بوجهي نحو الورقة والقلم التي كانت موجودة على الطاولة ثم أمسكت بالقلم وكتبت على الورقة سؤالاً غريباً للغاية مفاده: - ماذا لو مت هذه الليلة؟
ما ذا لو أن صاعقة ضربت هذا المكان وأحرقت الكوخ الخشبي على رؤوسنا؟
كيف سيكون طعم الموت؟ كيف سيتقبل جسدي آثار هذه الحروق؟
أسرتي!!! وابني حسام … كيف سيتجرع الموت وهو لا يزال طفلاً صغيرا؟
يا ترى … إن حادثت حسام عن الموت … هل سيتقبل فكرتها أم أنه سيتعجب منها؟

وفي وسط هذه الأسئلة والحيرة التي تعصف بذهني … طرق باب المكتب فجأة لأسأل مباشرة: - من هناك؟
فيأتي الرد من خلف الباب: - أنا حسام يا أبي هل تسمح لي بالدخول؟
  • نعم تفضل حبيبي 


فيفتح الباب ويدخل هذا الأمير الصغير بطلته ثم يأتي نحوي وتباشير الفرح على محياه ثم يقوم باحتضاني وتقبيل رأسي ويدي. وبعدها قمت بجلب كرسي صغير كان موجوداً في طرف الغرفة لكي يجلس ومن بعدها كان هذا الحوار الدموي والغريب.
  • كيف حالك يا حسام؟ هل أنت مبسوط بتواجدك هنا في هذا الكوخ الصيفي؟
  • أكيد يا أبي ولكن …..
  • ولكن ماذا يا بني؟
  • ولكن يبدو أن هناك أمراً يشغل بالك يا أبي؟
  • في الحقيقة نعم … اسمع … أريد أن أسألك سؤالاً وأريد إجابة صريحة منك
  • تفضل 
  • ما ذا لو مت الليلة يا حسام؟ هل ستخاف من الموت؟
  • لا أعلم يا أبي
  • هل تريد التجربة وأن أقتلك هذه الليلة حتى أرى مشاعر الموت وهي تشع في عينيك؟
  • أنا ابنك ولك مطلق الحرية فيما تفعل ولن أخاف من شيء
  • حسناً اذهب إلى المطبخ وأحضر معك أكبر سكينة تجدها هناك وتعال إلى مكتبي من جديد
  • لك ما تريد


وعلى الفور غادر حسام الغرفة. وما أن غادر حتى ضربت صاعقة المكان أدت إلى قطع الكهرباء عن المجمع بأكمله. مما دفع أسمهان إلى أن تشعل شمعة وتأتي إلى مكتبي على عجل. وأما حسام فقد كان خلفها مباشرة وقد كان يحمل سكيناً ضخمة في يده.
وما أن دخل المكتب وهو يحمل السكين في يده حتى صرخت أسمهان بأعلى صوتها مما دفعني إلى إسكاتها بالقوة وأن تفهم لماذا طلبت من حسام أن يحضر هذه السكينة من المطبخ.
  • أتريد تجربة الموت في ابننا حسام؟
  • وما المانع في ذلك؟ … أريد أن أراه يتعذب أمامي وأنا أنحره رويداً رويدا
لا أريد للموت أن يسرع إليه بل أرغب في أن يموت سعيداً وهو يضحك
اسمعي يا أسمهان إن جل ما أريد فعله في ابننا حسام هو معرفة هل الموت مؤلم؟
هل لو مت أنا سأتألم؟
هل الموت مخيف للغاية؟
لذلك أريد نحر حسام قليلاً قليلا حتى ينقل لي مشاعره وتجربته تجاه الموت. حتى يقول لي كيف روحه تغادر جسده وأن يخبرني بما أريد معرفته حول، هل يصاحب الموت ألم مؤذ أم أن الأمر مجرد مشاعر عابرة 
  • يبدو أن عقلك قد أصابه الجنون
  • كلا يا أسمهان بل أنا شخص عاقل وجل ما أريده هو التجربة فقط وأن تشاهدي وتستمعي بسماع صوت أنين الألم فقط.


وهنا أبعدت أسمهان قليلاً واقتربت من حسام أكثر ثم أخذت السكين من يده وبعد ذلك حملته برفق نحو الطاولة وبدأت في وضع رأسه أولاً برفق عند مقدمة الطاولة وبعد ذلك قمت بتمديد باقي جسده على المتبقي من الطاولة ثم عدت من جديد إلى رأسه والسكين في يدي وسألت حسام: - ما هو شعورك والموت قادم إليك الآن؟ هل تشعر بالخوف؟
  • لا أعلم يا أبي
  • حسناً سأبدأ بقطع رقبتك قليلاً ثم سأسألك عن شعورك.


وحينها أمسكت رأسه بيد وباليد الأخرى قمت بتمرير السكين على رقبته. لتنهار أسمهان على الفور من هول المشهد وهي تمسك بالشمعة في يدها لأهرع مسرعاً نحوها حتى أمسك بالشمعة لكيلا تحرق هذا الكوخ البسيط وتركتها منهارة على الأرض غير مبالٍ لها. وعدت من جديد إلى حسام الذي كان ينزف قليلاً من رقبته والدمع تسيل من خده وهو يقول: - لقد بدأت أشعر بالخوف يا أبي. إنني أشعر ببعض الاختناق يا أبي. أشعر وكأن شخصاً يكتم على نفسي يا أبي.
  • لا تخف يا حسام … هي مجرد آلام الرحمة لكي تعيش الراحة. والآن سأزيد الشق أكثر وسأجعل الدم يسيل أكثر فأكثر ولكن تأكد بأنني أحبك ولا أتمنى لك سوى الخير يا حبيبي حسام.


وبالفعل قمت بزيادة الشق أكثر ولم ترتجف يدي أو تتراجع عن هذا الفعل أو أن أشعر بالخوف مما أفعل. بل كان هناك صوت بداخلي يؤيدني على ما أفعل. وكان هذا الصوت يجبرني على الإسراع فيما أفعل.
وفجأة مد حسام يده نحوي والدمع يجري من عينيه وقال لي: - يبدو أن الموت مرعب يا أبي ولكن اشعر ببعض الاستلذاذ فيه. أعني … يبدو أنك صادق يا أبي حين وصفت هذه الآلام بأنها آلام رحمة وليست آلام عذاب.
            يبدو يا أبي أن الموت هو الراحة الجميلة لأرواحنا في وسط هذه الحياة المتعبة
  • وكيف عرفت بصعوبة الحياة يا حسام وأنت للتو قد أكملت السابعة من عمرك؟
  • أستطيع الشعور بذلك يا أبي، وروحي تغادر هذه الحياة قليلاً قليلا. 
أتعلم … الآن أستطيع رؤية عالم جميل بعد الموت.
  • كيف ذلك؟ يبدو أنها هلوسات الموت لا أكثر
  • كلا يا أبي بل هناك حياة عميقة وجميلة أستطيع النظر إليها الآن وأنا أموت بكل هذه البساطة والسهولة
  • حقاً؟
  • نعم … صدقني يا أبي لو أنك قمت بنفس الشيء ستجدني أنتظرك هناك بكل لهفة وشوق.
  • لا يا بني … فلترحل وحيداً ولن ألحقك الآن


وهنا أكملت الخطوة الأخيرة ونحرت رقبته ثم عدت إلى أسمهان ونفذت الشيء ذاته حتى تأكدت من موتهم جميعاً. ومن بعد ذلك أشعلت النار في الكوخ حتى يتبين لاحقاً أن صاعقة رعدية ضربت المكان وأحرقت جثثهم وأصبحت رماداً لا يذكر


وبعد ذلك استيقظت من بركة الذكريات هذه لأجد حسام يقف أمامي وهو يبتسم ويقول لي: - ألم أقل لك أن ما بعد الموت راحة!!!