Friday, May 26, 2017

الصديق ... الصاحب ... الزميل بالإضافة إلى القريب, من هم هؤلاء؟

أهلاً و سهلاً بكم يا أصدقائي مرة أخرى. اليوم لدينا موضوع شيق و أعتبره بالنسبة لي مهماً جداً في علاقاتك الاجتماعية. و من باب آخر فإن هذه المقالة سوف يتم نقل بعض أجزائها كاقتباسات لروايتي الجديدة القادمة في القريب بإذن الله. و لذلك سوف يكون هناك رابط بين هذه المقالة و بين الرواية الجديدة.
لن أتحدث كثيراً في تفاصيل الرواية أو أحداثها بحكم عدم تسجيلها و فسحها حتى لحظة كتابة هذا المقال. و لكن سوف أتحدث عن تعريفات مهمة يجب أن يعي كل شخص معناها في حياته و أن ينظر لها بنظرة اهتمام و تركيز للتفريق بين كل تعريف و الآخر.
حسناً سؤالنا كما هو العنوان تماماً, من هؤلاء الأشخاص في حياتنا؟ و ما هي درجة علاقتنا بهم؟ أو درجة ما نسميه بالمصطلح الدارج بين البشر ( الميانة )؟ هل جميع هؤلاء يتساوون في الدرجة و القرب أو البعد منا؟ 
إن كل شخص من هؤلاء الأشخاص له هيكلته الخاصة و كيانه الخاص و درجة قرب معينة يجب أن يفهمها هذا الإنسان و أن يضعها نصب عينيه. كذلك يجب أن يعرف إلى أي مدى يقوم بالمصارحة معه في جميع شئون حياته الشخصية حتى لو كانت أموراً سرية لا ينبغي لأحد أن يطلع عليها. 

إن أول هؤلاء الأشخاص هو الصديق و هو أعلى مراتب القرب من الإنسان درجة. فهذا الإنسان يكون مشاركاً لك بدرجة 100% لجميع أمور حياته و لا يخفي عنك حتى دبيب النملة لو سمعها في إحدى الليالي, بل يخبرك بها و يقول لك لقد سمعت النمل و هو يمشي مساء البارحة. إن هذا الشخص قريب منك إلى درجة لن تصدقها فهو يتشارك معك الطعام على طاولة واحدة و من الممكن أن يتناول معك من نفس الملعقة و من نفس الصحن. و نحن العرب نسميه بالمصطلح المعروف ( أكل عيش و ملح ). كذلك لن يتخلى عنك هذا الصديق في أصعب المواقف, بل أشدها قسوة و يبادر من نفسه في الدفاع عنك أو مساعدتك بل من الممكن أن تصل إلى درجة أن يحل مكانك لو تم اتهامك في قضية سرقة لا سمح الله. إن هذا الكائن أراه من منظوري الشخصي مثل الكائن الفضائي, غير موجود بيننا. لأنك لو مرضت لا سمح الله بالتهاب في الكلى أو الكبد و اضطررت إلى الحصول على هذا العضو من صديقك فإنه لن يمانع بل سوف يبادر إلى منحك إياها. و أما عن حياته الشخصية فهو كالكتاب المفتوح أمامك تعلم عنه كل صغيرة و كبيرة منه. و كذلك لا يتأخر في إخبارك عن جميع أخباره المستقبلية سواء السعيدة أو الحزينة. و لا يمانع هذا الصديق في أن يخبرك عن ماضيه لو أردت ذلك. إن الصديق هو الظل الأبيض الذي يجاورك في كل اتجاه و في كل خطوة تخطوها. و كذلك يشجعك باستمرار على فعل الأشياء الايجابية و فعل جميع الأمور التي تساهم في عمل الخير. و تجده يقرأ ما بداخلك بشكل مباشر حتى لو لم تخبره ما الذي تعاني منه بداخلك. و لهذا فإن الصديق يعتبر من أندر الأشخاص في حياتنا و وجودهم بيننا هو شيء صعب جداً للغاية. و إن وجدته يوماً من الأيام فأنا أنصحك بقراءة كتيب التعليمات حول طريقة المحافظة عليه و عدم ضياعه من بين يديك. لأنك لو خسرته يوماً من الأيام فلن تجد له العوض و لن تجد مثل هذه العملة في حياتك.

أما الشخص الثاني معنا فهو الصاحب. إن الصاحب يأتي بعد الصديق و هو مشابه له في بعض الصفات و ليس جميعها. فالصاحب إنسان يقف معك, نعم. و لكن وقوفه يكون بحدود معينة لا يريد هو أن يتجاوزها لسبب غير معلوم. و من فترة إلى أخرى يوافق على أن يشاركك الطعام و لكن في الغالب يعتذر لوجود أشخاص آخرين في حياته و هم أولى منك من حيث المعاملة. كذلك من حيث المساعدة في المواقف الصعبة فأقصى ما يقوم به هو اتصال هاتفي بأحد الأشخاص من أجل مساعدتك و إن لم يستطع فإنه يعتذر عن المساعدة. و أما من الناحية الطبية فأقصى طموحات هذا الصاحب هو أداء زيارة المريض ثم يتمنى لك الشفاء العاجل و يغادر المستشفى. و عن حياته الشخصية فهو إنسان غامض لا تفهم منه شيئاً و لا يريد أن يخبرك بشيء عن حياته و عن ماضيه و عن ماذا يفكر. و ينظر لك بنظرة الشخص الثاني في حياته. و إذا حاولت الاقتراب منه, يبدأ بالاعتذار منك و محاولة الانسحاب من أمامك و كأنك جدار أسود في حياته. إن الصاحب لا يشاركك الخطوات دائماً و لا يبقى معك فترة طويلة بل يؤدي مهمة معك ثم يرحل في حال سبيله. و إن أتت منه بعض النصائح الجيدة فهذا يدل على طيب معدنه. لأنه و للأسف فهناك بعض الأصحاب ممن يحملون الغدر بداخلهم مع أنهم يظهرون الطيب أمامك بعكس الصديق الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغدر بك أو أن يتلون مائة لون أمامك. و أما عن اهتمامه بك فلا تجده أقرب الناس إليك و لا يقرأ ما يدور في عقلك أو لا يستطيع الوصول إلى درجة ماذا تقول عينيك و ما الذي تحمله بداخلك. و لهذا فإن الصاحب تجده بين الحين و الآخر في حياتك و من أهم المناطق التي تستطيع إيجاد الأصحاب فيها, هي مرحلة الدراسة و مرحلة العمل. أما خارج هاتين الدائرتين فلا تجد سوى الصديق فقط. 

حسناً, دعونا نرى من هو الزميل؟ إن الزميل أقل درجة من الصديق و الصاحب و يكون محدوداً للغاية بعمل معين مثل أن تتشارك مع شخص ما داخل فريق عمل معين أو داخل مجموعة تطوعية لأداء مهمة معينة. و لا يتجاوز هذا الزميل هذه المهمات و من بعدها يفترق كل شخص إلى الجهة التي يرغب بالذهاب إليها. و من أهم المميزات التي تميز هذا الزميل أنه لا يتحدث إليك بتاتاً بصفة شخصية و لا يطلب منك أي مساعدة خاصة أو أن تقدم له خدمة لكي يستعين بها. و السبب أن لديه أصدقائه و أصحابه. و لهذا فإنه ينظر إليك نظرة عمل فقط و ليس أكثر من ذلك. و الزميل في غالب الوقت تنتهي علاقتك معه بانتهاء هذه المهمة أو المجموعة. و لو كنت موظفاً على سبيل المثال فإن الزميل تنتهي علاقتك معه بانتهاء دوام عملك و لا يتواصل معك بعدها. و لهذا يعتبر الزميل أبعد البشر إليك و لا تستطيع أن تحادثه بأمورك الشخصية و الخاصة و تلتزم معه بأمور العمل فقط و لا تتجاوزها بتاتاً 

و في الختام نصل إلى القريب. حيث أن الأشخاص من ذوي القربى و الأرحام لا يملكون صفة معينة بحد ذاتهم. فربما تجد أحد الأقارب من هو صديق لك. و ربما من تجده زميل لك. إن اختلاف الأقارب يؤكد على صحية العلاقة و أن العائلة متنوعة العلاقات الاجتماعية. فمن اجتمعت به صفة الصداقة و القرابة فهذا من أعلى المراتب لأنه ينظر إليك بنظرتين مهمتين جداً أولها نظرة القرابة و تعني الرحمة و صلة الرحم و هي من أهم الواجبات التي أوجبها ديننا الحنيف في حياتنا. ثم نظرة الصداقة و هي النظرة المهمة في حياتك حتى يكون سنداً لك و معيناً لك مثل ظلك. و أما من اجتمعت صفة الزمالة و القرابة, فأنا أنصحك هنا بأن تؤدي حق الله فقط في هذه القرابة و أن تقوم بزيارته و وصله و السؤال عنه و مشاركته بعض المناسبات الرسمية مثل شهر رمضان و الأعياد الإسلامية. و لا تزد عن ذلك رغبة في راحته و عدم إزعاجه. 

إذا وصلنا إلى تعريف كل شخص من هؤلاء لكن السؤال الآن, أيهم أبحث عنه في حياتي من بين هؤلاء الأشخاص؟ في الحقيقة, الإجابة سوف تكون صعبة للغاية. لأن الأشخاص ليسوا سواء من ناحية الظروف و الانطباعات و التغير المزاجي. فهناك أشخاص يكونون أصدقاء ثم يتحولون فجأة و برغبة منهم إلى أصحاب. و هناك زملاء يرتقون إلى درجة أعلى و يطمحون نحو الصداقة. 
إن هذه العلاقات الاجتماعية معقدة و شائكة جداً و تصل إلى درجة الاستغراب و علامات الاستفهام المتكررة. و للأسف ربما تصل إلى درجة الشك في هذه العلاقة و التي بدورها تصل إلى درجة الهدم ثم الفراق و كل شخص يسير في اتجاه مختلف. 

إن أفضل ما يمكنك عمله هو أن تتدرج في هذه الرتب من الزميل حتى الصديق و لكن احذر ألف مرة عند التحدث معه كصديق. فلحظة الغدر قد تأتي منه إذا تحول إلى صاحب. و المعنى أنه يبدأ في التحول التدريجي من صديق إلى صاحب من دون أن تشعر بذلك و تصطدم فجأة بطعنة الغدر و أنت تحسبها أنها أتت من صديق لكن للأسف أتت من صاحب. 

و لهذا فإن الصاحب هو أشد درجات العلاقات الاجتماعية عتمة بل أكثرها تلوناً و لا تعلم في هذه الدرجة من هو هذا الشخص الواقف أمامك و ما هي الطريقة التي يعاملك بها؟ و هل هو صديق أم زميل؟ 

و لذلك اجعل الحذر ملازماً لك حتى تجد ذلك الموقف الذي يخلده التاريخ لك ثم تسمي الشخص الواقف أمامك ( صديق ). لأن الصداقة يا عزيزي القارئ مواقف و ليست فترة عمر. و بهذا الموقف تستطيع التثبت منه و المحافظة عليه مدى العمر. 

Saturday, May 20, 2017

السكران و الغاضب ... أصحاب الحقيقة

هناك مقولة تقول بأن أصدق شخصين في الحديث هما الشخص السكران و الشخص الغاضب.
لكن هل هذه حقيقة؟ هل بالفعل أن كل ما يتحدث به هؤلاء يعبر عن حقيقة ما يشعرون به من الداخل؟
في الحقيقة و بحسب وجهة نظري الشخصية و القاصرة و التي تحتمل الصواب أو الخطأ , أرى أن هذه المقولة صحيحة.
السبب بكل بساطة لأن من يشرب كثيراً يفقد كثيراً و المعنى في بطن الشاعر أي يفقد عقله أكثر. 
و هذا بالطبع ليس تحليلاً مني بشرب الخمر و العياذ بالله لأن تعاليم ديننا الحنيف لا تسمح بذلك.
أما الشخص الغاضب فهو بالفعل يفقد عقله عند الغضب و يتفوه بالكثير من الأحاديث معظمها قد تكون صادقة.
لكن ما الرابط بينهم؟
إن الرابط الوحيد بينهم هو اختفاء العقل الواعي و ظهور العقل اللاواعي للحديث أو ما نسميه العقل الباطن. 
فهذا العقل هو منبع الأسرار و منبع الحديث و منبع كل أسلوب أو تفكير أو حتى خطوة يقوم بها الإنسان. 
و لهذا فإن عقلك الباطن هو أخطر ما تملك بدون أن تشعر. 
و يجب عليك في المقابل أن تراقب هذا العقل و أن تعلم بماذا تغذيه هل يتغذى على الخير أم على الشر؟
هل تلقنه كلمات الخير و المحبة و التسامح و العفو و المغفرة؟ أم كلمات اللعن و البذاءة و الابتزاز و كل حقد دفين تجاه شخص آخر؟
أكاد أجزم أن كل حرف ينطقه هؤلاء الاثنان يعبر عن تراكمات ماضية ظلت في داخل الإنسان حبيسة في زنزانة الأفكار و تفكر كيف السبيل للخروج. 
و المصيبة العظمى في هذين الشخصين أنهم يتحدثون بكل صراحة ووضوح و بدون أي مجاملة مهما كانت هذه الحقيقة مؤلمة و قاسية تجاه من يستمع إلى الكلام. 
حتى لو كان أسلوبهم فظاً و غير لبق و إن كان الغاضب صوته عالياً و السكران صوته منخفضاً لكن رنين الكلمات تشعرك أنها مسامير تطرق في جسدك مسماراً تلو مسمار.
و أنك تقف مذهولاً أمام هؤلاء و كيف يتحدثون بهذه الطريقة و الأغرب كيف استطاعوا مجاملتك فترة من الزمن و خدعوك بالكلم الطيب حتى تصدقهم و تسايرهم و تمضي معهم فترة من الزمن دون أن تكترث أو حتى تنتبه إلى كمية الحقد و الضغينة التي يخبئها و يجمعها هذا الشخص بداخل قلبه أو بالأصح داخل عقله الباطن و هو ينتظر فقط لحظة الإنفجار النهائية حتى يخرج كل ما بداخله.
و لهذا فإن أغضبت أحدهم بدون قصد ثم انفجر بك بهذه الطريقة فإعلم أن هذه هي مكانتك الحقيقية بداخل قلبه و أن هذا هو مقدار الاحترام الذي يكنه لك حتى لو اعتذر بعد ذلك.
قد ترى أنه غريبٌ جداً أن أصدق شخصاً فاقد العقل الواعي و يتحدث بعقله اللاواعي و أعتبر حديثه هذا صحيحاً.
لكن طالما أمرنا ديننا الحنيف بالعفو و الصفح عن الآخرين و تنظيف قلوبنا أو بالأصح عقولنا الباطنية من كل كلمات الشر
و من ذلك الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم عندما حدث الصحابة رضوان الله عليهم بأن هناك رجل سوف يطلع عليهم و هو من أهل الجنة. و قد كررها صلوات ربي عليه وسلم ثلاث مرات و عندما بحث الصحابة في هذا الأمر وجدوا أن الرجل لا يقوم بأي شيء خارق سوى الصفح و العفو عن الآخرين قبل أن ينام و هذا علاج ممتاز من أجل أن لا تتراكم البغيضة و الشحناء بداخلك لفترات طويلة ثم تخرجها أثناء غضبك بطريقة مستفزة و النتيجة هي خسارة شخص أحبك من قلبك و اعتبرك أخاً له لكن لم تكن تقدر هذه النعمة.
بل كنت تحصي له الزلات و الهفوات و كنت تنظر لكل صغيرة و كبيرة تحدث منه أمامك و ربما تفسرها بسوء الظن.
و عن سوء الظن فقد أفرغت لهذا الموضوع قصصاً عديدة حدثت معي شخصياً خلال روايتي الجديدة و التي لم ترى النور بعد حتى الآن إلى أجل غير مسمى. و أظهر فيها كيف أن الغضب يقول الحقيقة لكن في المقابل سوف تكون هناك خسائر مدوية. 

إن الغضب و فقد العقل نتيجة شرب الخمر من أسوأ الأدوات التي قد تواجه أي إنسان حول الأرض إلى إخراج كبته و غضبه و ربما يكون غاضباً من أشخاص آخرين ثم يفرغها جميعاً على شخص برئ لا ذنب له. 

لذلك نصيحتي لكم هي الصفح و العفو الدائم و تذكر دائماً الذكرى الجيدة قبل الذكرى السيئة و أن من يمد يده لك بالخير فصافحها بالخير و لا تجعل عقلك الباطن يتوجه له بأي كلمة من كلمات الشر حتى لا تؤذي نفسك ثم تؤذي البشر. لأن البشر قوالب من زجاج و قد تتحطم في أي لحظة فأمسك لسانك. 

Monday, May 8, 2017

الشكر و التقدير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعزائي القراء, عزيزاتي القارئات. في البداية دعوني أرحب بكم من جديد في هذه المقالة التي أكتبها باللغة العربية بعد عدة مقالات سابقة قد كتبتها باللغة الإنجليزية. و السبب أني خصصت هذه المدونة بعد السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية والعودة منها لكتابة المقالات باللغة الإنجليزية فقط. و أي مقالات عربية أقوم بكتابتها في صفحتي على الفيس بوك. لكن بسبب طول الفترة الزمنية منذ عودتي من أمريكا حتى الآن و كذلك قلة الممارسة على كتابة المقالات باللغة الإنجليزية, أفقدني هذا الشيء بعض القواعد المهمة في كتابة المقالات باللغة الإنجليزية. بالإضافة إلى الكتابة الكثيرة و المستمرة باللغة العربية و الانتهاء كذلك من روايتي الأولى و نشرها و كذلك الانتهاء من روايتي الثانية. و لهذا السبب فقد قررت الابتعاد قليلاً عن الكتابة باللغة الإنجليزية و التوجه نحو العربية. أيضاً معظم المتابعين لهذه المدونة هم ممن يقرأون باللغة العربية و ليس اللغة الإنجليزية.
حسناً دعونا نتعمق و نبحر أكثر حول موضوع هذه المقالة التي أتت بعنوان الشكر و التقدير. و السؤال الآن, هل يستحق الإنسان في حياته أن يستمع إلى كلمات الشكر و التقدير مقابل كل عمل ينجزه؟ أم أنه يفعل العمل المطلوب منه مقابل أجر يتقاضاه و احتساب ذلك العمل على الله عزوجل؟ هل كلمات الشكر و التقدير لها ذلك الثقل و ذلك الوزن الكبير في حياة الإنسان العملية و الشخصية؟ هل يحتاج الإنسان أن يبحث عن كلمات الشكر والتقدير بنفسه؟ أم أنه ينتظرها, إذا أتت كان بها و إذا لم تأتي لا ينظر لهذا الجانب و لا يعتبره موجوداً من الأساس؟ و كذلك غيرها الكثير من الأسئلة حول موضوع الشكر والتقدير.
لكن دعوني أحكي لكم قصة حدثت معي خلال العمل و أنقل من خلالها ذلك الشعور الذي شعرته خلال مجريات هذه القصة. لقد استلمت منذ تعييني بقسم المحاسبة في تلك الشركة أصعب مهمة بالنسبة لي وهي التعامل مع قسم المستودعات بالشركة. لكن ما علاقة المستودعات بالمحاسبة؟ لقد كانت علاقة تكاملية فالنظام المعلوماتي المستخدم في تلك الفترة داخل الشركة كان يتطلب من قسم المحاسبة الموافقة داخل النظام على جميع أوامر الصرف و الاستلام للمستودعات. و كانت تلك أربعة مستودعات ضخمة و ليس مستودعاً رئيساً واحداً فقط. و لسوء الحظ فقد كانت هذه المستودعات تعاني الكثير و الكثير عند إدخال بيانات الصرف و الاستلام إلى داخل النظام المعلوماتي المستخدم في تلك الشركة حينها. و لهذا لم أكن أوافق على أي عملية صرف أو استلام خاطئة حتى يتم تعدليها من قبل قسم المستودعات. ثم بدأت مسيرة طويلة مع المستودعات و كانت نسبة الأخطاء المتكررة فيها تصل إلى 95%. و بفضل من الله عزوجل ثم باستخدام جميع الأدوات النظامية المتاحة بين يدي داخل هذه الشركة و ذلك من أجل مخالفة و معاقبة أي شخص يخطئ عند إدخال البيانات إلى داخل النظام المعلوماتي, استطعت ولله الحمد بعد قرابة سنة تقريباً من تقليص هذه النسبة حتى وصلت إلى 5%. نعم ... 5% هذا الرقم صحيح و هذا يعني أن هناك نسبة ضئيلة جداً جداً في اكتشاف أي خطأ جديد أثناء إدخال البيانات إلى داخل النظام المعلوماتي الخاص بالشركة. لكن هذه الشركة أرادت تغيير هذا النظام من أجل إجراء إصلاحات داخل الشركة تهدف إلى التطوير و التنمية و تقليص مهام العمل و الرفع بجودة العمل أكثر و كذلك الوصول إلى الأهداف المطلوبة بطرق يسيرة و بسيطة. و لهذا فقد قررت هذه الشركة أن تتفق مع إحدى الشركات الأخرى المتخصصة في نظم المعلومات من أجل إحضار برنامج معلوماتي حديث و مستحدث يستطيع تنفيذ هذه الإصلاحات الجديدة التي ترغب الشركة في إدخالها. و أيضاً كانت هذه الشركة الخارجية مكلفة بالتدريب النظري و العملي على أرض الواقع لبعض الموظفين داخل الشركة من أجل معرفة كيف يتم تشغيل واستخدام هذا النظام المعلوماتي الجديد. و قد تم اختيار شخص مسئول من كل قسم ليصبح مديراً في هذا البرنامج المعلوماتي الجديد ممثلاً عن إدارته التابع لها. و هو من يتلقى التدريب أولاً على يد المدربين القادمين من الشركة الخارجية ثم يقوم هذا المدير بتدريب جميع الموظفين أدناه على كيفية استخدام هذا النظام المعلوماتي الجديد بحسب اختصاصه داخل الإدارة و بحسب مهام العمل الموكلة إليه. أما في قسم المحاسبة فقد قررت الشركة إحضار مدير جديد من خارج الشركة و تعيينه مديراً مسئولاً في النظام المعلوماتي الجديد ممثلاً عن إدارتنا. ثم بعد مرور عدة أشهر من التدريب و التحضير و البرمجة و تجهيز كل شيء من أجل انطلاق النظام الجديد و إغلاق النظام القديم, و صلتني أوامر من مديري المباشر بضرورة إغلاق الفترة المالية في اليوم الأخيرة للشهر و عدم التأخر عن ذلك إلى اليوم الأول من الشهر الذي يليه. و لهذا فقد بدأت في تنفيذ المهمة المطلوبة مني على الرغم من ضخامة الأمر حيث كنت مسئولاً عن أربعة مستودعات ضخمة تصل إلى ملايين الريالات و مهمة مثل هذه بحاجة إلى أربعة موظفين على الأقل من أجل مراجعة كافة إدخالات أوامر الصرف و الاستلام الصادرة من جميع المستودعات و التأكد تماماً من صحتها و عدم احتوائها على أي خطأ ثم الموافقة عليها داخل النظام المعلوماتي و اعتمادها مالياً. و أول ما بدأت به هو توجيه رسالة بريد الكتروني شديدة اللهجة إلى جميع المستودعات و إعلان الحالة أحمر أي الاستنفار الشامل و الكامل لجميع مدخلي البيانات و المشرفين و مأموري المستودعات و الوقوف معي جنباً إلى جنب من أجل إنجاز هذه المهمة في الموعد المحدد و عدم التأخر عن التنفيذ. و بالفعل فقد بدأت قبل نهاية الشهر بخمسة أيام و ذلك باستقبال كافة أوامر الصرف و الاستلام من كافة المستودعات و مراجعتها المراجعة الدقيقة ثم الموافقة عليها. و كنت أعمل في بعض الأيام خلال تلك الفترة القصيرة جداً حتى بعد انتهاء موعد العمل بساعتين أو ثلاث ساعات. و أما في الليلة الأخيرة و هي الليلة ما قبل اليوم الأخير للشهر فقد بقيت في مكتبي حتى الساعة الحادية عشر و النصف ليلاً و كان من المفترض أن ينتهي موعد عملي في تمام الساعة الخامسة عصراً. لكن روح الفريق الذي عملت معه من قبل المستودعات و الهمة العالية التي كنت أقابلها في سبيل التنفيذ, كانت تنسيني حينها أي صعب و أي وقت و لم أكن أكترث حينها متى سوف أغادر من ذلك المكتب بل كنت أهتم فقط متى سوف أغلق تلك الفترة المالية. و لله الحمد فمع صباح اليوم التالي استطعت إعلان الحالة أخضر و إنهاء حالة الاستنفار الشامل و الكامل على جميع المستودعات و استطعت كذلك إغلاق الفترة المالية بحسب ما كان مطلوباً مني. ثم قمت بتوجيه رسالة شكر و تقدير إلى جميع فرق العمل المتواجدة في كافة المستودعات على عملهم الدؤوب و الرائع من أجل المساعدة في إنجاز هذه المهمة. و أما على الجانب الآخر فقد كان هذا المدير يعمل وحيداً و بصمت و من دون مشاركة باقي أفراد القسم في تصميم وبرمجة النظام المعلوماتي الجديد حتى يتم التأكد من عدم الاختلاف الكثير عما كنا نمارسه من عمل مع النظام المعلوماتي القديم. و لهذا فقد بقي خلال فترة البرمجة و التصميم و حيداً و يعمل بصمت ثم قام بتدريبنا على مهام عملنا الجديدة في النظام المعلوماتي الجديد. لكن لم يكن التدريب واضحاً بالنسبة لي و كان الغموض يكتنف أغلب ما كنت أشاهده بعيني. أما بقية أعضاء الإدارة و منهم أنا فقد كنا نقوم بأعمالنا و ننجزها و كنا أشبه بالفريق الآخر منفصلين تماماً عن هذا المدير. ثم بعد ذلك وصلتنا أخبار بأن الشركة تود عمل حفلة شكر و تقدير لكل من ساهم في إنجاز مهمة البرنامج و كذلك الاحتفال بمناسبة انطلاق البرنامج إلى الحياة. و عندما حضرت إلى الحفلة توقعت أن يكون هناك تكريماً لي خصوصاً بعد تلك الليالي الطويلة التي قضيتها في تنفيذ مهمة شاقة و مرهقة. لكن ما شاهدته أمام عيني هو تكريم المدير الجديد فقط و كذلك المدير المالي بصفة شرفية و لم يتم تكريم أي فرد آخر من إدارتنا. و أما باقي الإدارات فقد تم تكريم عدة أشخاص عملوا على برمجة وتصميم النظام المعلوماتي الجديد و من ضمنهم أفراداً بنفس مستوى درجتي الوظيفية من قسم المستودعات. و هؤلاء الأشخاص ممن عملوا معي بجد و اجتهاد لإنجاز هذا التحول وهذا الانتقال. حينها شعرت بالصدمة و كأني لم أقم بشيء مطلقاً خلال الفترة الماضية بالرغم من أن العمل لم يكن لينجح أو ليتم إنجازه إذا لم أبقى حتى بعد نهاية موعد العمل و القيام بإنجاز جميع الموافقات المطلوبة على جميع أوامر الصرف و الاستلام.
و للأمانة حتى تكون الصورة واضحة للجميع فإن الحفل كان مخصصاً فقط لمن عمل على برمجة و تصميم النظام المعلوماتي الجديد. لكن السؤال الذي تبادر إلى ذهني هو:- و ماذا عن من قام بإغلاق النظام القديم و التحول إلى الجديد؟ ألا يستحقون الشكر و التقدير أيضاً؟ ألا يستحقون التكريم على ما قاموا به من جهد لإنجاز هذا التحول؟ لماذا لم يتم تكريمهم و إعطائهم دافعاً أقوى و ذلك بإعطائهم جائزة تقديرية شكراً و تقديراً على ما قاموا به؟
في الحقيقة لم أكن أعرف أي إجابة حول هذا الموضوع و قررت الانسحاب من الحفل من دون مشاركتهم تقطيع كعكة الاحتفال أو حتى تناول جزء منها. بل ذهبت إلى مكتبي مذهولاً و مصدوماً مما رأيت.
حسناً الآن و بعد هذه القصة القصيرة التي حدثت معي, هل نحن بحاجة إلى الشكر و التقدير في حياتنا؟ و كذلك بقية الأسئلة التي سألتها في بداية هذا المقال.
في الحقيقة إن أي إنسان على وجه هذه الكرة الأرضية يستحق أن يكون متميزاً عن الآخر. ومن حق أي شخص أن يستمع إلى كلمات الشكر و التقدير سواء من والديه أولاً ثم بعد ذلك من إخوته ثم بعد ذلك من أصدقائه و أخيراً يكون الشكر و التقدير صادراً من مديره في العمل. و من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان يبحث عن الشكر و التقدير هو الدفع نحو الأمام و محاولة تطوير النفس. إن الإنسان عندما يحصل على كلمات الشكر و التقدير من شخص آخر, تبدأ غريزة الطموح و النشاط و الانطلاق نحو الأمام بالازدياد و كذلك يشعر بنشوة القيام بمائة مهمة عمل في الدقيقة الواحدة. إن الشكر و التقدير هو الوقود الذهبي للعمل و هو المحفز الرئيسي بل الأساسي لأي عمل تقوم به. قد تقول لي بأن هذا رياء و أن ما يقوم به يحصل على أجر مقابله. لكن دعني أخبرك أن هذا الكلام غير صحيح و غير منطقي. فالأجر الذي يتقاضاه, يحصل عليه مقابل العمل الذي قام به.  أما الشكر و التقدير فهو مقابل إنجاز هذا العمل و هناك فرق بين القيام بالعمل و إنجاز العمل. لأن القيام بالعمل يكون مثل الروتين أي كأنك تقوم بتركيب قطعة ما وفق كتالوج معين. أما إنجاز العمل فهو الإبداع و الإتقان في تنفيذه, بمعنى آخر وضع لمسات إضافية عند إتمام العمل و تسليمه. هذا هو المنظور الشخصي والقصير بالنسبة لي الذي أرى فيه كيف يمكن التفريق بين التنفيذ بشكل روتيني و التنفيذ بشكل مبدع. إن الشخص عندما يستخدم عقله للإبداع في أي شيء يحبه كائناً ما كان, يستحق في مقابله التزود ببعض الوقود الذهبي من أجل ملء هذا الجزء الناقص من عقله و الذي استخدمه للإبداع. و حتى يتم ملء هذا الوقود فإنه يستحق أن يسمع كلمة شكر و تقدير مقابل ما أنجزه من عمل مطلوب منه.
أما السبب الآخر حول هذا الموضوع فإني أرى أن الشكر والتقدير هو الفخر الذي يستحقه كل شخص لأبنائه. فلو كان لأحد الأشخاص عدد من الأبناء و البنات فإنهم يستحقون أن يفخرون بأبيهم و أمهم و أن يقولوا للعالم انظروا إلى ذلك الدولاب الذي يمتلئ بكل شهادات الشكر و التقدير التي حصل عليها أبي أو حصلت عليها أمي. و بذلك سوف يكون دافعاً قوياً و مهماً جداً للأجيال القادمة من أجل بناء مستقبل مشرق كله ايجابية و سعادة و تحفيز للعمل و به الكثير من كلمات الشكر و التقدير التي نستحقها في حياتنا.
حاول يا عزيزي القارئ أن تبدأ بقول كلمات الشكر و التقدير تجاه الآخرين. فعلى سبيل المثال لو رأيت عامل نظافة يعمل أمامك فلا تتردد في أن تشكره و تقدره على عمله حتى يشعر بالسعادة و السلام الداخلي بقلبه. حاول أن تبتسم أمامه و تعطيه ذلك الوقود الذهبي الذي يستطيع به أن يملأ عقله حتى يبدع في عمله. لا تحتقر الآخرين من حولك و تُميز فيما بينهم و تقول ذلك يستحق و هذا لا يستحق, بل على العكس اجعل لسانك معتاداً على قول كلمات الشكر و التقدير حتى لا تنضب هذه الكلمات من كوكبنا و يصبح بائساً بلا ايجابية مقنعة أو وقود ذهبي يساعد على الإبداع و التفوق, بل الإنجاز بشكل لا معقول في إتمام مهام العمل اليومية لجميع أفراد البشر على سطح هذه الكرة الأرضية المستديرة.
تمنياتي لكم بالحصول على العديد من كلمات الشكر و التقدير في حياتكم و أن تصبح حياتكم كلها ايجابية و سعادة و أمل و أن لا ينتهي ذلك الوقود الذهبي من حياتكم حتى تستطيعون العيش فيها بكل إبداع.