Saturday, September 2, 2017

الاستسلام للفشل

الاستسلام للفشل ... مصطلح يعتقد البعض للأسف أنه من أبسط الأمور التي يركن فيها حياته بداخلها و لا يتحرك من بعدها. و لهذا فمن عادتي الدائمة هي البحث حول هذه الأمور الغريبة و تفسيرها و فهم معانيها. و الأهم من ذلك هو محاولة فهم ذلك الكسل البشري الذي يصيبنا في مقتل و يصيب أرواحنا بالخمول و النوم و الشعور بانتهاء الحياة.
إن الحياة لم تنتهي أيها القارئ و لكن عادت بك إلى الخلف. لقد أخذتك الحياة إلى نقطة الصفر مرة أخرى حتى تدرس أخطائك التي حدثت خلال رحلتك سواء الطويلة أو القصيرة نحو النجاح. فالنجاح لا يمكن أن يتحقق في طرفة عين إلا إذا كان والدك أو أسرتك من أرباب الطبقة المخملية. و أما الكادحين فيها فهم وحدهم من يشعرون بطعم النجاح في نهاية النفق المظلم من حياتهم حتى لو أعادتهم الحياة مراراً و تكراراً إلى نقطة الصفر فلابد للغيم أن يذهب و لابد للسماء الصافية أن تظهر يوماً من الأيام. و لهذا فإن وتد السهم حينما تخطط لرميه نحو الهدف, لن تستطيع إطلاقه من دون إرجاعه للخلف بمقدار كاف من الألم على أطراف أصابعك ثم تطلقه بكل قوة و عزيمة و إصرار حتى يصيب الهدف بدقة.
            عليك دائماً أن تتمسك بإيمانك و مبادئك خلال هذه الدوامة الطويلة في حياتك. فمهما عادت بك الحياة نحو نقطة الصفر فلابد أن يزيد إيمانك أقوى من السابق في كل مرة تعود بها ثم تنطلق مرة أخرى نحو هذه الحياة من أجل أن تثبت نفسك فيها. و عليك دائماً التوكل على الله عزوجل و أن الله عزوجل نصير كل شخص يتحلى بالصبر و يتمسك به و ألا يتنازل يوماً من الأيام عن صبره أو أن تقل عزيمته لا سمح الله. بل إن التمسك بالإيمان و زيادته مرة تلو أخرى له فائدة عظيمة على قلبك و هي تقوية الإصرار على تحقيق النجاح في أقل فترة ممكنة.
            سوف تواجه خلال هذه الرحلة الكثير من البشر ممن هم متعطشين دائماً لإحباطك. فالبشر بكل بساطة هم عبارة عن صحراء ضخمة جافة و تحتاج إلى الري و هناك من يسقي هؤلاء البشر بعزيمته و إصراره و إغلاق أذنيه أمام كل كلمة محبطة و كل كلمة سوف تتسبب بهزيمته. و هؤلاء الأبطال وجودهم مهم في حياتنا حتى لو كانوا يبذلوا الغالي و النفيس في سبيل تحقيق أهدافهم إلا أنهم ليسوا أنانيين بل مشاركين لكل تفاصيل نجاحاتهم حتى يقتدي بهم البشر و يحاولون التوقف عن الإحباط و هدم الهمم و التحول بشكل سريع إلى كرة مشتعلة من الطاقة و الحيوية المتفجرة من أجل الدخول في منافسة شرسة مع هؤلاء الأبطال الناجحين و محاولة تجاوزهم أو على الأقل تخطي فشلهم و إحباطهم و تحولهم إلى أشخاص إيجابيين و مفيدين في حياتهم. فالإيجابية و السلبية معدية بين البشر و كل شخص سوف يتسبب بالعدوى لمن حوله بما يحمله من فيروس سواء كان فيروس إيجابي و مفيد لكل البشر أو فيروس سلبي و قاتل لكل البشر.
            إن السر الذي دعاني إلى كتابة هذه المقالة هو ما قرأته في كتاب السيد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في كتابه أحلام من أبي و ذلك في الصفحة 171 و الصفحة 172 بالتحديد. لقد قرأت عن عزيمة هذا الرئيس حينما كان رئيساً لإحدى المنظمات المدنية التي تنادي بحقوق الفئة السوداء من البشر في الولايات المتحدة الأمريكية خلال حقبة الفصل العنصري بين البيض والسود. و رأيت من خلالها كيف أنه لم يستسلم أو يتراجع عن إكمال مشواره في تحقيق العدل لكل السود في أمريكا تلك الفترة. و تعلمت منه أنك إذا حملت في عاتقك تشجيع غيرك و مساعدته على تجاوز أحزانه و أيامه السوداء التي مر بها في حياته و ربما فشله العظيم من تحقيق شيء مهم, فإن نتيجة ذلك و بشكل حتمي و قاطع هو توفير المئات من البشر الإيجابيين حولنا و الذين سوف يساهمون في إعمار هذه الكرة الأرضية بشكل مفيد و صحي بعيداً عن السوداوية و الكوميديا السوداء الطريفة التي يحبون أن يتلونون بها و هي الاستسلام للفشل فقط.
            إذا أردت أن تستسلم اليوم فلا مانع لكن لا تطل ذلك. ربما تحتاج إلى بعض الراحة من أجل إعادة تخطيط أفكارك مرة أخرى و ربما تحتاجها من أجل أن تنطلق بشكل أقوى من الانطلاقة السابقة لك. لكن عليك الحذر بأن لا تطيل فترة الجلوس حتى لا تصاب بالجلطات الكثيرة في حياتك و تصبح أشبه بالمعدومة وربما يؤدي ذلك إلى انتحارك بسبب شعورك الفظيع في داخلك بالهزيمة و اليأس. اجعل حياتك موزونة بين الراحة و الانطلاقة و لو أنك رجحت فكرة الانطلاقة بشكل أكبر فتأكد أنك سوف تصل إلى هدفك بشكل سريع بإذن الله.
            عليك أيضاً أن تبني الخطة "ب" دائماً في جدول أعمالك. فكما تعلم فالحياة ليست مساراً واحداً بل هي مسارات متعددة و كل مسار يتغير وفق الظروف و مجريات الحياة التي تحدث أمامك. و لذلك فعليك دائماً أن تضع نصب عينيك مسألة الخروج من الخطة التي رسمتها و الانتقال بشكل سريع و سلس إلى خطة أخرى قد تم تجهيزها مسبقاً و جاهزة أيضاً من أجل تنفيذها بشكل سريع بدون أي تأخير أو محاولة للتراجع. إن هذه الخطة هي عامل مساعد و مهم من عوامل نجاحك في الحياة و من دون هذه الخطة و كذلك الخطة "ج" و الخطة "د" ... إلخ, فلن تستطيع الانتقال بشكل مرن و بشكل متلوي في جميع أمور حياتك حتى لو كانت المجريات ضدك. لذلك دع الخروج هو أهم من مسألة الدخول و دع مسألة الانتصار بأي طريقة كانت أهم من مسألة البحث عن حل للهروب و الاستسلام للفشل
            إن هذه الحياة مهما قاتلنا فيها و مهما سعينا فيها فهي فانية و سوف ترحل منها أخيراً بعد قتال طويل مع عدة جبهات أن تختارها بنفسك. و لهذا فإن عليك دائماً ألا ترحل من هذه الحياة حتى تكون قد جربت 1000 تجربة على الأقل و أن تترك بصمة واضحة لدى جميع البشر من حولك. و ليس ذلك فحسب بل يجب عليك أن تترك أثراً جميلاً تستطيع جميع الأجيال من بعدك أن تتذكرك و أن تشكرك على جميل ما صنعت خلال حياتك. حاول أن تجعل الرحيل من هنا سعيداً و دع نفسك تبتسم خلال الرحيل بينما الجميع يبكي من خلفك. فالابتسامة في هذا الموقف هي ابتسامة نصر و فوز و الإعلان بشكل مباشر أنك تغلبت على جميع التجارب و المحن و الابتلاءات التي واجهتها في حياتك. و أما عن بكاء من حولك فهو إعلان مباشر وصريح عن عمق محبتهم لك و عن شعورهم العميق بأنهم فقدوا قامة عملاقة و شخصية لن تتكرر حتى لو بعد 100 سنة من رحيلك.
            إن من السخرية الجميلة في نهاية هذه المقالة الرائعة هو التناقض العجيب بين الموت و الفشل. فالموت يعني نهاية الحياة و أما الفشل فيعني بشكل صريح بداية الحياة. و ذلك لأن الفشل هو نقطة الانطلاقة من جديد نحو حياة أخرى و صفحة جديدة سوف تكتبها بعناية فائقة مستفيداً من خلالها بكل التجارب السابقة التي مررت بها و التي قاسيت من خلالها أبشع و أفظع النتائج و ربما كانت بعض النتائج غير محببة و مرغوبة لديك لكن سوف تعلم في نهاية الهدف أن الفشل كان عبارة عن قرصة أذن خفيفة لتخبرك أن الحياة ليست مسار واحد فقط.

محبكم
#أحمد_حسين_فلمبان
#إبتسامة_قلم 

No comments:

Post a Comment