Thursday, July 13, 2017

بر الوالدين

قال الله تعالى في محكم تنزيله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 


في البداية و قبل أن أتعمق أكثر في أسبار هذه المقالة و في داخل تفاصيلها, دعوني أقف دقيقة صمت بالدعاء لمن فقد أحد والديه أو جميعهم و ذلك بالدعوة لهم بالرحمة و المغفرة الحسنة و أن يرزقهم الله عزوجل الفردوس الأعلى مع النبيين و الشهداء و الصديقين. و أسأل الله عزوجل أن يجعل قبورهم روضة من رياض الجنة و أن يهب عليهم من برادها و من نسماتها العليلة. و أسأله عزوجل أن يغفر لهم ذنوبهم و يؤنس وحدتهم و أن يصبر قلوب أحبابهم و أقاربهم و أسرهم.

حسناً لماذا نتكلم هذه المرة عن بر الوالدين؟

نحن نتكلم عنها و ذلك لانتشار العقوق للأسف بين الأبناء و البنات و أكثرهم من الأبناء دون تحيز للبنات. و للأسف أيضاً فقد أصبحت ظاهرة العقوق, ظاهرة مفخرة بين البعض منهم و قد أقول القلة منهم. فعلى الرغم من أنها معصية كبيرة إلا أنهم للأسف يجاهرون بها بين أصحابهم و أقربائهم و المحبين لهم. 

أسأل الله لهم الهداية في الدنيا و أن يرزقهم بر آبائهم و أمهاتهم قبل أن يرحلوا من هذه الدنيا.

إن مسألة العقوق يا أعزائي القراء, مسألة عظيمة و واقعها جلل على المرء المسلم. فهي من الأمور المهمة التي يجب على كل إنسان واعي و عاقل أن ينتبه لها. فمن الممكن أن تكون دعوة من الأدعية التي يدعونها آخر الليل ضد هؤلاء العاقين بهم قد تتسبب بتعطيل حياتهم للأبد و قد تتسبب بانتكاستهم نحو الأسفل. و ربما يخسرون كل شيء حولهم من المال و الزوجة و الأبناء بسبب عقوقهم هذا. 

لذلك أرجو من الشخص الذي يَعِقُ والديه أن ينتبه إلى مسألة البر بهم و الاعتناء بهم مهما كانوا من أشخاص قاسيين بتصرفاتهم في بعض الأحيان أو ربما يعاملوك بصفة خالية من العاطفة. فمهما واجهت من معاملة فيجب عليك أن تبرهم و أن تخفض صوتك عند الحديث معهم. و لا تجادلهم في الأمر بل قل سمعاً و طاعة. 

لقد تحدث الكثير من البشر من علماء و مشاهير و أشخاص طبيعيين عن تجاربهم في بر الوالدين و عن أثرها على حياتهم. و أيضاً التاريخ مليء بقصص مثلها عن بر الوالدين و كيف كانوا أجدادنا في السابق يُكِنُون كل الحب و التقدير لهم. و البعض ممن تحدث في عصرنا الحالي, أخبرنا عن أن حياته ناجحة و لله الحمد و أنه يملك السعادة بين يديه و مع زوجته و أبنائه و كل ذلك بعد فضل الله عزوجل ثم بسبب برهم بوالديهم و عمل المستحيل من أجلهم. 

إذا لم تصدق ذلك, إسأل من فقد عزيزاً عليه من أب أو أم و أخبره كيف حياتك الآن؟ سوف يخبرك بكل تأكيد بأن حياته ناقصة و ليست رائعة بل ينقصها الكثير و الكثير من الجو الرائع و الحلو و يتمنى لو يوم من الأيام أن يعود أحدهم إلى الحياة حتى يستطيع أن يعود سعيداً مرة أخرى. 

الوالدين يا أعزائي القراء هم أغلى هدية في هذا الكون. هم الصوت الدافئ عندما تقع في المشاكل و هم الصوت الحنون عندما تفقد شيئاً ثميناً في حياتك مثل نقودك أو أي شيء آخر. إنهم الجنة التي تلجأ إليها إذا اشتد الكرب و اشتدت العواصف خارج منزلك و خارج حياتك. إن أمك بالتحديد هم اليد الحنونة و اللطيفة التي تمسح دمعتك بكل بلسم السعادة و الابتسامة الجميلة. وأما والدك فهو المعلم الأول لك و هو القائد الصنديد الذي يقود حياتك نحو النجاح. 

إذا كنت تقرأ هذه المقالة و أنت لم تتواصل معهم بسبب مشكلة ما, فأنا أنصحك ألا تكمل القراءة حتى تعود لكي ترفع سماعة هاتفك مرة أخرى و تعتذر منهم و تطلب السماح منهم بل يجب عليك أن تذهب لكي تُقَبِل أقدامهم و أيديهم و أن تبتسم أمامهم ابتسامة محبة و رضا و طاعة لهم. 

لا تجعل حياتك كابوساً عليك و أنت بعيد عنهم و هم يحترقون شوقاً لرؤيتك و السلام عليك و الاطمئنان بك. فمهما كنت مشغولاً في هذه الحياة و مهما سافرت إلى أقطار الأرض و ابتعدت عنهم لفترة طويلة, فعليك الرجوع فوراً إليهم و أن تحتضنهم بكل شوق و محبة. و لا تنسى أن تنحني أمامهم إنحناء تقدير و ألا ترفع مقامك أمامهم مهما حصلت من شهادات عالية و مهما بلغت من مناصب رفيعة. فلولا الله ثم والديك لم تكن موجوداً في هذه الحياة. 

نصيحتي الأخيرة لك. هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور و الذي دائماً نردده و لكن للأسف في بعض الأحيان نردده بشكل غير واعي و غير مدرك لكلماته العميقة. حيث قال حبيبنا صلى الله عليه و سلم "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبيك" فلا تدعهم بلا مأوى و بلا رعاية و بلا اهتمام. بل يجب عليك المبادرة قبل أخوانك و أخواتك في الاهتمام و الرعاية بهم و تقديم العناية الطبية لهم إذا لزم الأمر.

أخيراً دعواتي القلبية لمن بقي والديه أو أحد والديه على قيد الحياة بأن يطيل الله في أعمارهم و أن يحفظهم لكم من كل مكروه و أن يجعلكم أسرة مترابطة على قلب واحد و لا يفرق بينكم الشيطان. و أسأل الله تعالى أن يجمعكم بوالديكم في جنة الرحمن. و أن يبعد عنهم كل مرض و كل مكروه و كل أذية. و أسأل الله تعالى أن يجعلكم باريين بوالديكم و محبين لهم. 

No comments:

Post a Comment