Saturday, January 27, 2024

إنجاب

 أكتب إليكم اليوم من مكاني المعتاد في مدينة جدة وهو الجلوس أمام شاطئ البحر الذي يبعث إلى الروح الدفء والشعور بالأمان وقد تجاوزت الساعة بحسب ما أنظر إليها على معصم يدي؛ منتصف الليل وقد اقتربت أكثر إلى بزوغ الفجر لتعلن لسكان المدينة عن بداية يومٍ جديد، نسأل الله فيه اللطف والخير والبركة.

وحيداً أجلس وأستمع إلى موسيقى هادئة تعينني على قراءة كتاب وكذلك الاستمتاع بمشاهدة البحر من أمامي وإن كان حالك الظلام لكن دائماً ما يشعرك البحر بأنه خير أنيس ومؤنس لروحك في كل زمانٍ ومكان.

وبينما كعادتي إن انفردت وحيداً أتأمل البحر، كذلك أتأمل البشر من حولي، وإذ أرى تلك العائلة التي كانت تجلس بجواري وليست ببعيدة عن مكان جلوسي لأتأمل في حالهم وبالطبع سينظرون فئة من البشر ممن سيقرؤون هذه المدونة على أنني شخص فضولي ومتطفل لكن ما لفت انتباهي لكي أتأمل فيهم؛ هي أنهم عائلة صغيرة للغاية من زوج وزوجة ولديهم طفلة رائعة وجميلة.

ويبدو لي أن الطفلة قد بدأت للتو تعلم مهارة المشي لأنها كانت تمشي ثم تسقط وتكرر المحاولة بعد أن تنهض والابتسامة والسعادة من تكرار المحاولات لا تسعها. إلا أن ما لفت انتباهي هو حال الزوج وزوجته اللذين كانا جالسين على فرشتهما مقابلين للبحر والصمت بينهما سيد الموقف.

بل إن الزوج كان يسلي نفسه لوحده بعيداً عن زوجته وطفلته بالنظر إلى هاتفه المحمول وتقليب صفحاته وكأنه ليس أباً ولديه طفلة من حقها أن تلعب معه وأن يلاعبها ويمازحها وهي تكرر محاولات تعلم المشي.

حينها عادت إلى ذاكرتي ذات التساؤل الذي طرحته على نفسي بعد أن انتهيت من أداء صلاة الجمعة في اليوم السابق وفي طريق العودة إلى المنزل مررت من أمام دار الرعاية النهارية التي تُعنى برعاية ذوي الإعاقة وسألت ذاتي حينها:-

اليوم أنا أبلغ الرابعة والثلاثين من العمر لكن هل أنا مستعد للإنجاب؟

ماذا لو كان رزقي طفلاً أو طفلة من ذوي الإعاقة؟ هل روحي مستعدة لتقبل هذه المرحلة الجديدة من حياتي؟

للأسف يظن البعض "وهم أغلبية" أن الزواج هو تسديد دين مجتمعي فقط ليزيل عنه الوصمة المعيبة مجتمعياً بأنه كبر في السن ولم يتزوج، متناسياً أن الزواج يؤدي للإنجاب في كثير من الحالات باستثناء انتهاء العلاقة بالطلاق قبل الإنجاب أو الوفاة أو ربما ممن لديهم عقم سواءً من الزوج أو الزوجة.

لكن من أدى زواجه إلى وجود روح جديدة على هذه البسيطة، هل هناك استعداد كامل لحماية هذه الروح وتحصينها وملئها بالسعادة والفرح وبث الشعور بالأمان والطمأنينة وأنه كما تطلب منهم بعد أن يكبروا في أن يؤدوا واجبهم من الطاعة وبر الوالدين كذلك عليك حقٌ تجاههم من لحظة بث الروح في أجسادهم من أن تكون جاهزاً ومتقبلاً لفكرة أنك ستكون أب أو أنكِ ستكونين أماً وعليكم الاستيعاب أكثر بأن هذه الروح لم تُخلق عبثاً أو أنها اختارت أن تأتي إلى الحياة بل أنتم أيها الآباء والأمهات مَن اتخذ قرار الزواج بكامل أهليتكم العقلية وألا تعتقدوا بأن ليلة العمر كما يسميها الكثير ممن يفرحون بدخولهم القفص الذهبي بأنها ليلة للسعادة والفرح فقط والتراقص على أنغام الموسيقى بنهم وشراهة، بل هي أيضاً ليلة لبدء حِقبَة جديدة من أيامك لربما يتوجها الرب لك برؤية الكثير من الأرواح من حولك وبيدك أنت وزوجتك أو أنتِ وزوجك من جعل هذه الأرواح البريئة والطاهرة من أسعد الأرواح على سطح المستديرة وبيدك أيضاً أن تجعلها أسخط الأرواح وأكثرها شراً وحقداً على غيرهم ويكون العمل مضاعفاً إن كانت هذه الروح من ذوي الإعاقة لأنها لم تختر إعاقتها بنفسها ولكن لا ملجأ ولا معين لهذه الروح سوى أهلها من أب وأم يجتمعون معاً يداً بيد لجعل هذه الروح من ذوي الإعاقة عضواً نافعاً ومفيداً للبشرية ولذلك حين عدت إلى نفسي وكررت السؤال على ذاتي، وجدت أنني ليست مستعداً حتى اللحظة في أن أتحمل مسؤولية وجود روحٍ جديدة على هذه المستديرة وأنا لا أستطيع توفير أسباب السعادة والفرح لهذه الروح التي ستأتي إن قررت يوماً من الأيام أن أتزوج وتكون لي شريكة الحياة.

و لا يهمني كثيراً تلك الوصمة الاجتماعية من بقائي أعزباً حتى وإن بلغت من العمر ما بلغت لأن هذه الروح هي أمانة ومن الواجب على أي إنسان قرر الإنجاب والإتيان بروح جديدة أو أمانة جديدة في أن يراعي هذه الأمانة وأن يخاف ربه فيها.

وهكذا أكون قد وصلت إلى نهاية ما قد كتبته من أمام شاطئ البحر، لكن ....

حين عدت إلى منزلي وقمت بمراجعة التعليقات التي تردني على منصات التواصل الاجتماعي، وجدت أحدهم قد قام بالتعليق على إحدى المقاطع المرئية القصيرة التي قمت بتصويرها أثناء ذهابي إلى البحر، وكان المقطع المرئي الذي قمت بتصويره، هو قيادتي للسيارة متوجهاً إلى البحر وقمت بتشغيل أغنية "الصبر جميل" للفنانة "مها فتوني"، وكتبت أيضاً على هذا المقطع كلاماً يفيض من القلب ... أصف فيه حالتي منذ العام 2013م وسلسة الانكسارات التي مررت بها ما بين الانكسار الأول منذ العام 2015م في يونيو 2015م ثم تعدل الحال في ديسمبر 2015م  ثم انكسر ظهري من جديد في 10 أبريل 2017م وبعدها تعدل الحال بعد أغسطس 2017، ثم انكسر ظهري مرة أخرى في شهر سبتمبر 2019م

فالسبب الذي جعلني أكتب هذا الكلام هو أنني لم أعد شخصاً منضبطاً في نومي كما كنت في السابق حيث كنت أنام قبل الساعة الثانية عشر من منتصف الليل وأستيقظ مع بزوغ الفجر كبقية البشر، لكن بعد الانكسار الأخير الذي حدث في سبتمبر 2019م، لم أعد أعي متى أنام ومتى أستيقظ فأصبحت أخرج إلى البحر كما هو حالي الآن بعد منتصف الليل وربما أعود على قرب بزوغ الفجر وأظل نائماً طوال فترة النهار وذلك بسبب عدم وجود أي وظيفة أو عمل أقوم به إلى أن تنتهي مرحلة العطالة عن العمل هذه وأجد تلك الوظيفة التي تقدرني وتحترمني.

فقال لي هذا الشخص في تعليقه على هذا المشهد المرئي القصير بأن الزواج هو الحل !!! وهو سبب الرزق بعد توفيق الله عزوجل لك !!!

يا إلهي ... ما ذا يقول هذا الإنسان لي؟

بالإضافة إلى ذلك المشهد الذي سردته إليكم في الأسطر الأولى من هذه المدونة عن تلك العائلة الصغيرة، أتى هذا الشخص وزاد الأمر إحباطاً حيث ربط السعادة وحصولك على الرزق في هذه الحياة بمجرد إتمام زفافك وإكمال نصف دينك.

فقمت باقتباس رده وكتبت تعليقاً قلت فيما معناه:- بأن الزواج ليس شماعة الحياة لأن الزواج أمانة.

وإن كنت مؤمناً بالذي أوجدك وبالذي سوف يرزقك واتخذت الزواج شماعة معتقداً أنها ستؤدي بك إلى الرزق وأدى هذا الزواج إلى وجود عدد من الأمانات تحت يدك ولكن لم ترعها ولم تقم بالاهتمام والرعاية، فكيف تعتقد أن الذي أوجدك والذي رزقك والذي سهل لك الزواج سيجعلك تستمر في ذلك؟

في الأكيد لن تشعر بطعم الراحة ولن تشعر بالهناء ولن تشعر بالمتعة لأنك قصرت في هذه الأمانات.

لذلك أقول بأن الزواج والإنجاب ليست بالشماعة التي نعلق عليها كل أمرٍ نريد الهرب منه ونعتقد في داخلنا بأن وجود شريك للحياة أو شريكة حياة هي الأمان وهي الشعور بالاستقرار وكذلك الشعور بالانضباط في الحياة.

لأنني وكما هي وجهة نظري بأن هذه الأمانات التي ستأتي من تحت يدك ستكون مسؤولاً عنها مسؤولية كاملة لأن الحق صل الله عليه وسلم  نطق بالحق وقال "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته" 



محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Thursday, January 11, 2024

إنسان مليء بالمشاعر ولكن بلا مشاعر

 ولكي أصدقكم القول فيما سأكتبه إليكم هذا اليوم، فقد استلهمت هذه المدونة أثناء قيادتي للسيارة في طريق العودة من مدينة مكة المكرمة إلى مدينة جدة وكنت خلال القيادة، أستمع إلى أغنية الفنان المصري المعروف والذي ذاع صيته منذ زمن وهو الفنان عمرو دياب في أغنيته التي حملت عنوان "صدقني خلاص".

حينها تذكرت تلك الرسالة الصوتية التي بعثت بها إلى صديقي والتي أخبرته فيها عن إحساسٍ يسري بداخلي آنذاك وهو الإحساس بأنني إنسانٌ مليءٌ بالمشاعر ولكن بلا مشاعر.

يا ترى كيف يمكن لشخصٍ أن يحمل صفتين لا تجتمعان في شخصٍ واحد.

مليءٌ بالمشاعر!!!

ولكن بلا مشاعر!!!

في حقيقة الأمر، فإن أصدقائي وجميع المحيطين بي من حولي يقولونها أمامي وبكل ثقة، بأن روحي حساسة للغاية ومليئة بالمشاعر تجاههم وبالتحديد مشاعر المحبة التي أحملها في قلبي نحوهم وكذلك مشاعر الخوف عليهم أو الخوف من أن يصيبهم أي مكروهٍ – لا سمح الله –.

وعلى الوجه المقابل فأنا أشعر بداخلي بأنني لم أذق في حياتي تلك المشاعر وبالتحديد تلك المشاعر الرحيمة التي يستشعر بها أي إنسان لديه أخت، سواءً كانت أختٌ صغيرة أم أختاً كبيرة.

وذلك لأنني أكبر أخوتي في عائلتي وجميع أخوتي الأصغر مني هم من الذكور.

فلذلك لا أعلم حقيقةً كيف هي المشاعر الحقيقية التي تُكنها الأخت تجاه أخيها.

هذا من جانب ...

أما من جانبٍ آخر ... فكذلك لم أذق في حياتي مشاعر الأمومة أو محبة الأم كعاطفة، كتواجد بالقرب في حالة الحزن أو الشعور بالضيق، أو كنوعٍ من الطبطبة على الكتف.

نعم ... كانت أمي موجودة ولا تزال إلى الآن على قيد الحياة – وأسأل الله تعالى أن يمد في عمرها بالصحة والعافية – ولكن كانت تعبر عن حبها لي بالمادة، أي أنها كانت دائماً تشتري لي كل ما أرغبه سواءً كانت ألعاب أو ملابس أو أي أمرٍ مادي يرغبه أي طفل يبلغ من العمر على سبيل المثال 6 سنوات أو حتى 10 سنوات. وكانت دائماً تقول لي: - "أنا التي اشتريت وأنا التي اشتريت وأنا التي اشتريت".

وكانت بالنسبة لي في طفولتي، أمراً غيرَ محبذٍ إلى روحي لأنني بالفعل كنت أريد شخصاً يشعر بما في داخلي، شخصاً يفهمني، شخصاً يحتوي تلك الأعاصير التي تهيج بداخلي في تلك الفترة وكنت في حقيقة الأمر أبحث عمن يجلس إلى جواري ويضع يده على كتفي ويطبطب عليها بكل حنية ويقول لي: - لا تقلق يا أحمد، كل شيء بخير، وكل أمر هو بخير وكل ما تمر به سيكون على خير.

وبالمناسبة ... وعن حديثنا حول المشاعر و ما يتعلق بها، تذكرت أيضاً خلال قيادتي للسيارة ما كتبته عن مشاعر معينة لأن المشاعر أنواع – كما أستطيع أن أنظر إليها –، فهناك المشاعر العاطفية أي مشاعر المواساة والمؤاخاة وغيرها، وهناك المشاعر الفكرية، وهناك المشاعر المعنوية أي الدعم المعنوي كالتشجيع والتحفيز المستمر على الاستمرار وهناك مشاعر مميزة من بين هذه المشاعر اسمها "الحب".

وأتذكر هنا جيداً ما كتبته في إحدى المجتمعات الثقافية عن نظرتي وفلسفتي تجاه "الحب" بالرغم من أنني كما ذكرت خلال شرح هذه الفلسفة، بأنني لم أذق مشاعر الحب، بطريقتها الطبيعية وبتصرفها الطبيعي الفطري الذي وجد في حياتنا، وكذلك عدم رغبتي في أن أتذوق طعم الحب.

لذلك نظرت في هذه الفلسفة نحو الحب من زاوية إن كان الحب يأتي من الحرمان الداخلي للشخص والذي يؤدي بطبيعة الحال إلى العطاء أم هي مجرد مشاعر طبيعية تأتي بمجرد أن تدب الروح في أجسادنا ببطون أمهاتنا" وعن نص هذه الفلسفة التي قلت فيها: -

"دائماً ما يقال أن العطاء ينبع من الحرمان

أياً كان هذا العطاء

سواءً عطاء مادي

أم عطاء عاطفي

أم عطاء معنوي

أم عطاء فكري وغيره

ولكن هل الحب هو عطاء لتعويض النقص لدى الطرف الآخر بحجة الحرمان لدى الطرف الأول؟

سؤال فلسفي عميق ...

أعتقد والله سبحانه أعلم

أن الحب هو فعل جوهري لا يحتاج إلى حرمان كي يدفعنا للتعويض.

الله عز شأنه يحبنا نحن عبيده وليس في حاجة إلى حبه لنا لأنه الكامل وله ملكوت كل شيء.

فهل حبه لنا لأن لديه حرمان؟

و لله المثل الأعلى جل في علاه.

لذلك أعتقد أن الحب ... بمنظوري كما أراه هو غريزة داخلية وُجدت بداخل أرواحنا منذ أن دبت الحياة في أجسادنا بداخل بطون أمهاتنا.

وهي الغريزة الأصيلة التي لا يقابلها شيء أو أن تتغذى على شيء.

عدا شيءٌ واحد فقط حرمه الله عزوجل على نفسه وهذا الشيء هو الوقود الذي يشعل الغريزة المضادة للحب وهي الغريزة الطارئة أو اللاحقة والتي تكون بمسمى غريزة الكره والعداوة.

وتغذيها ما حرمه الله على نفسه وهو الظلم.

لذلك أرجو إطعام غريزة الحب ... بنشره فيما حولكم، لأنها الأصالة التي تستمر من خلالها الحياة".

وبذلك أنتهي من ذكر هذه الفلسفة كي أصل بكم إلى خاتمة رائعة أختم بها هذا الحديث الذي أكتبه إليكم اليوم، وهو أن الإنسان وإن لم يتلقَ أي مشاعر من أخته أو أخيه أو أمه وأبيه إلا أن روحه لا تزال طاهرة ومليئةً بمشاعر العطاء.

وأقصد بمشاعر العطاء هنا أي مشاعر الحب والمحبة تجاه الآخر وهي الشيء الثمين الذي يوجد بداخل كل روحٍ أصيلة من أرواحنا.

 

محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Thursday, June 1, 2023

كلنا نحمل رسالة بداخلنا

 ذات ليلةٍ من الليالي، وسط سعادتي الغامرة وأنا أقوم بغسل الأطباق والأواني في مطبخي الصغير وقد كان الوقت متأخراً في ذلك الليل، ووسط تلك الأحاديث التي أحدث فيها نفسي لأجل التسلية وإضاعة الوقت أثناء الغسيل، تسربت إلى ذهني هذه المدونة التي استلهمتها من عبارة وردت على لسان أحدهم أثناء نقاش جانبي حدث في إحدى المقاهي بالمدينة التي أسكن فيها حالياً وذلك بعد أن انتهيت من جلسة ثقافية وأدبية رائعة.

وخلال هذا النقاش الذي كان يدور بيني وبين شخصين آخرين ممن كانوا حاضرين لهذه الجلسة الثقافية وقد كان محور الحديث حول رغبتي في الظهور الإعلامي سواءً عبر التواصل الاجتماعي المرئي أو المسموع وأقصد هنا ما بات يعرف بمنصات البودكاست في هذه الأيام، بادرني أحدهم بسؤالٍ لم يغادر مخيلتي ولم أستطع أن أجعله سؤالاً عابراً من دون البحث عن إجابةٍ لهذا السؤال.

وهذا السؤال هو معرفة السبب حول رغبتي الشديدة منذ ما يقرب السبع سنوات لأجل أن أظهر أمام هذا المجتمع الكريم وأن أكون شخصاً ذا معرفة بين الناس ولماذا هي حاجة ملحة بالنسبة لي؟

فكان الجواب المباشر لها هو رغبتي في إيصال رسالة، لكن للأمانة لم أكن أعلم في تلك اللحظة ما نوع هذه الرسالة التي أريد إيصالها بسبب المخزون العالي من القصص والتجارب التي أحملها في داخلي وأنا لم أصل إلى سن الأربعين بعد والشعور بداخلي أنني قد تجاوزت هذه المراحل العمرية (الأربعين، الخمسين، وأيضاً الستين من العمر) وذلك منذ سنواتٍ مضت.

ليأتي ذلك الرد بأن قالت لي: - كلنا نحمل رسالة بداخلنا، أنا لدي رسالة وهذا الذي معنا يحمل رسالة وغيري الكثير ممن يحملون رسالاتٍ بداخلهم ويرغبون في إيصالها للجميع ولكن أعتقد أنها ليست مبرر.

وكما ذكرت مسبقاً، بأنني لا أستطيع تجاوز هذا التساؤل من دون إيجاد ذلك الجواب المقنع، والذي استطعت خلال كتابتي لهذه المدونة من بناء بعض الملامح، حال قيام أحد الإعلامين أو أصحاب قنوات البودكاست باعتبار أنها المسيطرة على الساحة الآن، في أن أبرهن عن ذلك السبب الملح لهذه الرغبة الجامحة بداخلي لأجل الظهور وأن أُخرج ما في جعبتي من قصص وحكايات لربما تساعد أحدهم أو أن يكون أحد الأشخاص بحاجة إلى دَفْعَةٍ بسيطة حتى يستطيع أن يكمل مشواره وأن يكون عضواً فاعلاً بيننا.

وهنا دعوني أسرد إليكم بعض النقاط التي أريد بالفعل الحديث عنها وأن يصل من خلالها صوتي إلى العالم في حال قام أحدهم من فريق الإعداد لأي برنامج إذاعي أو مرئي أو صوتي مسموع بالتواصل معي وإبداء الموافقة المبدئية في معرفة تلك القصص.

وحتى تكون هذه المدونة بشكل واضحٍ للجميع ويستطيع أي إنسانٍ أن يستقبل الفكرة من خلف هذه المدونة سأجعل النقاط بشكل أرقامٍ متسلسلة وهي النقاط التي يستطيع المحاور أن يسألني عنها منذ بداية اللقاء حتى النهاية.

1-    في البداية لربما سيشد انتباه المحاور تلك العبارة التي وضعتها في أول صفحتي الشخصية وهي العبارة التي أخبر فيها العالم بأنني شخصٌ يبحث عن تعريفٍ لمعنى كلمةٍ واحدة "الحياة" وعن السبب الذي جعلني أقوم باختيار هذه العبارة دوناً عن أي عبارة أخرى ولماذا أقوم بالبحث عن تعريفٍ لكلمة بسيطة وسهلة ولكن ربما تكون عميقة في المعنى لدى أحدهم.

2-    وبعد ذلك ننتقل إلى التعريف عن نفسي ومَنْ أكون وما ذا أعمل بشكل يومي، ما بين ذهابٍ يومي إلى وظيفتي الحكومية أو الانشغال مساءً في قراءة كتاب على شاطئ البحر أو لربما إيجاد أي فعالية مناسبة أخرى أستطيع قضاء وقت الفراغ الطويل الذي يأتي بعد الانتهاء من ساعات العمل الرسمية.

3-    ثم نعود بعد ذلك إلى البدايات، أي بدايات هذه القصص ولكن لن أبدأ بسردٍ مكثف منذ العام 2009م أي بداياتي بالمرحلة الثانوية لكن سأسرد بعض النقاط هناك على عجالة مثل السبب الذي جعلني أختار تخصصي الحالي وهو تخصص المحاسبة وأن تكون دراستي في ثانوية متخصصة وهي الثانوية التجارية وكيف أنني استطعت اللحاق بآخر هذه الثانويات قبل أن يتم إغلاقها ودمجها مع التعليم العام. وبالتأكيد سأعرج قليلاً إلى الخلف أي إلى المرحلة المتوسطة وسأتحدث عن تلك المرحلة بشكل مبسط وأبرز ما تم فيها مثل الفوز بالمركز الثاني من التصفيات الأولى على مستوى منطقة مكة المكرمة في مسابقة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود لحفظ السنة النبوية الشريفة عن 250 حديث نبوي شريف وما يقار ب الـــ 54 راوي للحديث وكذلك حصولي على المركز الرابع في إحدى المسابقات الأدبية التي نظمتها في تلك الفترة إدارة التعليم بمنطقة مكة المكرمة وكان سبب الفوز هو كتابة قصة قصيرة بحسب المطلوب من هذه المسابقة.

4-    وبعد الانتهاء من هذه المراحل ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة الجامعية وتلك الصعوبات الجمة والكبيرة التي واجهتها بسبب دراستي لتخصص المحاسبة في كلية لا تمت بأي صلة للعلم المحاسبي أو الدراسة المالية وهذه الكلية هي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ولا أنسى أن أذكر عدد الساعات الضخمة التي واجهتها أيضاً أثناء الدراسة بسبب وجود مواد لا تمت بصلة على الإطلاق إلى العلم المحاسبي وهي مواد شريعة بحتة 100% مثل مادة المدخل لدراسة الشريعة و مادة المدخل لدراسة العقيدة وعن السبب الذي جعلني بعد التخرج من الجامعة في الانضمام إلى برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه للابتعاث الخارجي وحصولي حينها في ذلك الوقت على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الثانية من جامعة أم القرى.

5-    ثم يصل بنا الحديث إلى الحوار حول ما جرى قبل الانضمام إلى الابتعاث وهي الفترة القصيرة التي عملتها في إحدى المواقع بمدينة مكة المكرمة لفترة قصيرة بسبب رغبتي في الحصول على راتب شهري حتى يغطي نفقات أيامي الأولى بعد وصولي إلى بلد الابتعاث. وكيف كان العمل بشكل يومي في نفس التخصص الذي عشقته منذ المرحلة الثانوية وهو تخصص المحاسبة.

6-    ونكمل بعد ذلك حوارنا مع حياتي في بلد الابتعاث وكيف نجحت ولله الحمد في الحصول على هذه البعثة وجميع الخطوات التي حدثت منذ التسجيل المبدئي في البرنامج وبعد ذلك استكمال كافة الخطوات التي وضعتها وزارة التعليم العالي آنذاك حتى حصلت على تذاكر السفر واستطعت السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومن هنا نستطيع أخذ مقتطفات من الحديث حول كتابي الأول قصة فشل وهو الكتاب الذي يتحدث في الأساس عن هذه التجربة التي أمضيتها في الولايات المتحدة الأمريكية لما يقارب العام والنصف تقريباً وقد استطعت خلالها إكمال دراسة اللغة الإنجليزية وبتفوق ولكن للأسف لم أستطع إكمال بقية المهمة والحصول على قبول جامعي نهائي لإكمال مرحلة الماجستير التي كنت أطمح من خلالها في الحصول على درجة الماجستير في المحاسبة بالإضافة إلى طرح ورقة العمل المهمة حول مشروع البقرة الكبيرة.

7-    ثم نعود إلى أرض الوطن من جديد بعد مهمة أستطيع القول عنها من وجهة نظري الشخصية أنها كانت مهمة ناجحة وفاشلة بنفس الوقت. وعن سبب النجاح فهو اكتساب خبرات هائلة في أمورٍ شتى ما بين الدراسة والحياة بذاتها وكذلك الالتقاء بالبشر من حول العالم وتكوين صداقات جديدة وبناء جسور من التواصل كما تم تصميم هذا البرنامج الخاص بالابتعاث من أجل جعلنا كطلاب وطالبات سفراء لهذا الوطن الكريم. وأما سبب فشلها فهو عدم الاستطاعة في تحقيق الحلم المراد تحقيقه ولكن لن تتوقف الحياة عند هذه المرحلة من العمر.

8-    وبعد العودة إلى الوطن وانتهاء جميع الخيارات المطروحة أمامي وكل المحاولات التي قمت بها لأجل المحافظة على البعثة وذلك القرار الصعب في رفع طلب إلى وزارة التعليم من أجل إنهاء البعثة ومن بعد ذلك لم يكن أمامي حينها سوى خَيَارٍ واحدٍ فقط وهو البحث عن عمل والبدء في الاستقلال المادي والحياتي وبالطبع لم أكن حينها أخطط على الزواج وبناء الأسرة لأنني للتو لم أتعافَ بشكل كامل من صدمة إنهاء البعثة والتي استمرت تقريباً بعد تلك السنة، سنتين إضافيتين لأجل محاولة التجاوز والخروج بشكل سليم من الناحية الروحية والنفسية وتقبل الأمر وكأنها مرحلة من مراحل الحياة أو لنقل اختباراً من اختبارات الحياة

9-    وهنا يصل الحديث مع المحاور الرائع الذي يدير هذا الحوار إلى الحديث عن كيف بدأت كتابة كتاب قصة فشل سنة في نهاية سنة 2015م وإطلاق الكتاب سنة 2016م وعن السبب الذي دفعني لاختيار هذا المسمى للكتاب وماهي أبرز التحديات التي واجهتها في بداياتي مع كتابة كتاب كامل. وبالطبع لن نخوض أكثر في تفاصيل محتوى الكتاب وما هي القصة التي تدور بداخله لأننا تحدثنا مسبقاً عن هذه النقاط خلال حديثنا عن مرحلة الابتعاث إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

10-                  ويستمر الحديث بعد ذلك عن العمل الأدبي الآخر الذي أصدرته في العام الذي تلاه وهو العام 2017م والذي كان يحمل عنوان "كسرة خبز" وهي الرواية الخيالية التي استوحيتها من الواقع والتي تتحدث عن سوء الظن تجاه الصديق وهي المعضلة التي كنت أعاني فيها منذ نعومة أظفاري أي منذ أن كنت طالباً بالمرحلة الابتدائية ثم المتوسطة ومن بعدها الثانوية. والتي أعتقد من وجهة نظري الشخصية أنها مشكلةً عامة تحدث بين البشر لكن كان هناك سببٌ عميق دفعني لاختيار هذا الموضوع بالتحديد لأجل أن أبني عليه هذه الرواية وبالتأكيد سأذكر جميع التفاصيل التي حدثت معي خلال كتابة هذه القصة

11-                  ويأتي بعد هذا الحديث الطويل والماتع من وجهة نظري الشخصية، الحديث حول المرحلة التي أحدثت تحولاً كبيراً للغاية في حياتي وهي المرحلة التي أتت في نهاية عام 2017م وحصولي على وظيفة حكومية في المديرية العامة للدفاع المدني (مديرية عسير) ومقرها الرئيسي هو مدينة أبها وذلك للعمل كموظف محاسب مساعد بالمرتبة السادسة على سلم الموظفين الحكوميين.

12-                  وبالتأكيد سوف ينتقل الحوار الآن من حياتي الأولى في مدينة جدة إلى حياتي الجديدة في منطقة عسير وبالتحديد مدينة أبها وعن كيف أمضيت ما يقارب 6 سنوات عجاف من حياتي في مدينة أبها منذ ديسمبر العام 2017م إلى بدايات عام 2023م وعودتي من جديد إلى مدينة جدة والشعور بالحياة من جديد

13-                  سأبدأ الحديث في هذه المرحلة عن ظروف الانتقال وكيف استطعت التأقلم والتكيف مع هذه البيئة الجديدة التي اعتدت أن أكون فيها منذ طفولتي بحكم أنني كنت أسافر إليها في كل عطلة صيفية وذلك بسبب وجود منزلٍ يملكه والدي إبان فترة عمله في المنطقة الجنوبية قبل سنواتٍ طويلة للغاية والتي تزيد عن الأربعين عاماً تقريباً وكان ينتقل حينها ما بين منطقة نجران وجازان بالإضافة إلى عسير حتى استطاع أن يملك أرضاً هناك في العام 1400هـ ثم قام ببنائها وأصبحنا نذهب إليها في العطل الصيفية لأجل قضاء الإجازة هناك

14-                  وأستمر في الحديث حول ظروف العمل وكيف كنت أمضي معظم وقتي هناك والذي كان الفراغ السمة الأبرز فيه بسبب عدم وجود أي فعاليات ترفيهية أو نشاطات ثقافية أو أي شيءٍ من هذا القبيل. ولا أنسى أن أتحدث عن المرحلة المفصلية التي حدثت في عملي والتي تسببت بحدوث كارثة بالنسبة لي أثرت على حياتي الشخصية والنفسية وصعوبة الخروج من هذا العمل أو الانتقال إلى عملٍ آخر. وأيضاً سأسرد كافة الأمور التي حدثت بعد حدوث هذه الكارثة حتى تاريخ كتابة هذه المدونة.

15-                  وهنا سأتوقف لبرهة من أجل الحديث بشكلٍ مفصل عن هروبي المستمر وبشكل أسبوعي إلى منطقة جازان وكيف أنني في كل يوم خميس وبالتحديد في فصل الشتاء كنت أقطع ما يقارب المائة وتسعين كيلو متر بالسيارة ذهاباً وإياباً من مدينة أبها إلى مدينة جازان لأجل الجلوس أمام شاطئ البحر والاختلاء بنفسي هناك ومحاولة تجديد نفسيتي بسبب ما يحطمه التواجد المستمر في عملي الذي كنت ملزماً بالذهاب إليه كل يوم.

16-                  وبالطبع سوف يأتي الحديث عن الأصدقاء الرائعين الذين استطعت التعرف عليهم من خلال التواصل الاجتماعي وهم أبناء منطقة جازان وكيف أنني كنت لا أترك أي فرصة لأجل الالتقاء بهم حال توجهت إلى مدينة جازان حيث أن الأول منهم يقطن في محافظة الدرب وأما الآخر فهو من محافظة صبيا الرائعة ولكن لا تكون هذه اللقاءات بشكل مستمر طوال الفترة الماضية بل تكون بحسب المتاح وبحسب التنسيق المسبق معهم قبل أن أقود سيارتي من خلال عقبة ضلع ثم اختيار الطريق الدولي والاتجاه مباشرة إلى مدينة جازان الفاتنة

17-                  ويقودنا الحديث من هذا المنحنى عن السفر الذي قمت به إلى ما يقارب الأربع دول ما بين دول صديقة ودول شقيقة لهذا الوطن المعطاء والتي حدثت خلال العام 2019م ومنها برزت فكرة كتابة الكتاب الثالث وهو كتاب علمتني أنا والذي تدور فكرته بشكل مبسط حول محاربة التنمر العنصري وهو التنمر الذي ينتج من بعض البشر بسبب لون بشرتك أو جنسيتك أو ديانتك أو غيرها من الأمور المشابهة. وبالطبع سيكون الحديث حول تجربتي الشخصية في السفر والالتقاء بأصدقائي الذين تعرفت عليهم منذ وقت مضى مثل صديقي في مملكة ماليزيا وصديقي من دولة الإمارات العربية المتحدة والصديق الجديد الذي تعرفت عليه في العاصمة الكورية الجنوبية سيئول بالإضافة إلى رحلة الاستجمام والراحة التي أمضيتها في جزيرة بالي وعن المواقف الإنسانية التي حدثت هناك بعيداً عن النظر إلى ما هو لونك أو جنسيتك أو دينك ولكن أنت أمامي مجرد إنسان وأنا كذلك إنسان وتجمعنا الأخوة الإنسانية على هذه الأرض.

18-                  وقبل أن نقارب على ختام هذا اللقاء أريد الحديث عن أهم مشروعٍ طموح أرغب في إيصاله إلى قيادتنا الحكيمة وهو مشروع البقرة الكبيرة وهذا المشروع الذي سيسهم بإذن الله تعالى في تحويل الصورة المشوهة لعربات الطعام التي نشاهدها على جنبات الطرقات في مملكتنا الحبيبة إلى شيءٍ أجمل وأفضل وسيساعد الشباب الطموحين في أنهم يستطيعون الحصول على مشروعاتهم الخاصة التي يرغبون في امتلاكها وتوفير مصدر دخل مناسب لهم وكذلك يساهم هذا المشروع في مساعدتهم على الزواج وتذليل العقبات أمامهم من أجل إنشاء وإيجاد أسرة متكاملة ومترابطة بعيداً عن الهموم التي تنتج بعد الانتهاء من حفل الزفاف بسبب المصروفات الباهظة التي يتكبدها الشاب لأجل إتمام زفافه. وسيكون الحديث حول هذا المحور بشكل مفصل وواضح حتى تصل الفكرة بشكل كامل من بدايتها حتى نهايتها إلى كل شخصٍ يستمع إلى هذا الحوار ولا أنسى أن أذكر لكل مستمع عن سبب اختياري لهذه التسمية الغريبة والعجيبة وهو مشروع البقرة الكبيرة وبالتأكيد سأذكر كل العقبات التي واجهتها في محاولة الحصول على فرصة لأجل الظهور أمام العالم منذ سنواتٍ مضت أي منذ ما يقارب العام 2016م حتى اليوم، وذلك حتى يستمع الناس إلى مشروعي الحلم والذي كنت أواجه الرفض فيه بشكل مستمر بسبب غرابة الاسم.

19-                  وأعتقد أن الختام سيكون حول حياتي اليومية هذا اليوم وكيف أعيشها هنا في مدينة جدة بعد استطاعتي من مغادرة منطقة عسير وعدم رغبتي في العودة إليها من جديد وعن كمية السعادة التي أشعر بها هنا في مدينة جدة خصوصاً في وقت المساء بعد الانتهاء من ساعات العمل الرسمية

و في نهاية هذه المدونة أستطيع القول بأن الحوار لربما يمتد إلى ثلاث ساعات أو أربع ساعات، لا أعلم

ولكن أنا موقن تمام اليقين بأنها ستكون حلقةً ثرية ومليئة بالقصص والمواقف التي أستطيع أن أتركها بين الناس كأثرٍ خالد إلى قيام الساعة. وأن يكون عنوان هذه الحلقة هو "هل سوف يسهم مشروع البقرة الكبيرة في القضاء على البطالة بين الشباب والعزوف الحالي عن الزواج؟" وتذكر أن هذا مجرد اقتراح فقط للعنوان ولكن القرار النهائي بيد من سوف يوافقون بشكل نهائي على إتاحة الفرصة وإدارة هذا الحوار.



 محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Friday, May 12, 2023

... في حياتي

ليس هناك أقسى من أن يحاول المرء إبعاد البشر من حوله وكأنه يهمس إليهم أن اتركوني ولا تعودوا بأي أملٍ في أن يتغير شيءٌ بداخلي.

هذه المُسَلْمَة لم أصل لها لأجل أنني أريد الوصول إليها بين يومٍ وضحاها، بل وصلت إليها بعد بلوغي مرحلة اليقين بأن الشمس ستتأخر كثيراً، كثيراً للغاية في أن تشرق بشيءٍ سعيد في حياتي. وهنا أتحدث عن حياةٍ مهنية ذات أهدافٍ واضحة وسُلْمٍ واضح للارتقاء والوصول إلى المراتب العليا.

لذلك أيها القارئ (أينما تكون ومَنْ تَكُون)، أدعوك ومن باب المحبة بألا تبحث في حياتي عن شيٍ سيبهجك، أو أن يدفعك إلى مستوى أعلى من المستوى الذي أنت تتواجد فيه الآن، أو حتى أن تحاول العثور ولو بصيصٌ بسيط من الأمل الذي لربما سيغير من تفكيرك أو الطريقة التي ترغب في أن تعيشها بالمستقبل.

إن حياتي (وكما أعتقد)، ليست بتلك الحياة التي أستطيع القول عنها بأنها حياةُ إنسانٍ تستحق أن تُعاش، بل على العكس هي مقبرة والمقبرة لا يوجد بداخلها سوى جثة هامدة تقبع في سكونٍ مؤلم ولا يحركها أي ريحٍ من رياح التغيير أو حتى أن تشعر بتلك البهجة التي يشعر بها أي إنسانٍ طبيعي.

في حياتي يا من تقرأ هذه الكلمات أو تقرأين هذه الكلمات، لن تجد سوى التعاسة فقط والشعور المتكرر بالخيبة وأن روحي ولدت ميتة من الأساس، من قبل أن ترى النور أو حتى أن تلامس أقدامي الأرض (أي بدايات الطفولة على محاولة المشي)، وأن السقوط المتكرر هي المحطات الأبرز التي كانت مرافقة لي حتى وصلت إلى هذا النضج اليوم والذي دفعني إلى كتابة هذه الأحرف إليك.

في حياتي، لن تستطيع قراءة أي عبارة من عبارات النجاح وإن قرأتها فسوف يكون منطوقها بروحٍ ميتة، أي أنني لم أستشعر ذلك النجاح بداخلي ولربما السبب في ذلك أن وصوله إلى حياتي قد أتى بعد أن عَبَرَ قطار التمني والرغبة في تحقيق النجاح بالتوقيت الذي كنت أراه مناسباً بالنسبة لي.

في حياتي، لا أستطيع أن أعطيك أي وعد بالبقاء في الجانب الإيجابي من الحياة لأن الأمل هو الألم من وجهة نظر بعض الفلاسفة على الرغم من أن الشخص الإيجابي الجيد سيحاول التغلب على الألم بزرع بذور الأمل لكن انتظار الشيء المفقود هو ألمٌ مستمر، لا يتوقف برغبتنا في التوقف ولا تستطيع منح نفسك تلك البطاقة التي ستُدخل البهجة إلى روحك بمجرد وجود الأمل في داخلك لأجل أن تكافح ألمك، فهذه حياتي التي لم أستطيع كبح الألم فيها (لا من خلال الأمل أو التفاؤل أو حتى الشعور الجيد والمُرْضي تجاه كل شعورٍ مأساوي يدفعني إلى الألم).

في حياتي، هناك الكثير من المنغصات والقليل من الفرح، لأنني اعتدت ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً على أن أبكي أسبوعاً بحاله وأن أفرح يوماً واحداً فقط، وأما بعد أن وصلت إلى هذا اليوم فإنه يبدو بأنه لا مجال لي في أن أحاول كل مرة لكي أزيد من مساحة الفرح وأن أقلل من مساحات الحزن الشاسعة والتي قد تمتد لآلاف الهكتارات داخل حياتي والسبب بكل بساطة (وبحسب ما أعتقد) أن الفرح في حياتنا هي ساعة وأن المنغصات وأيام الحزن والبكاء هي ساعات وربما سنوات وسنوات.

في حياتي، لربما هناك البعض من الإنجازات التي يراها غيري أنها إنجازاتٌ فارقة، لكن بحسب إيماني ووجهة نظري البسيطة تجاه الموضوع، فأنا أريد الأفضل من ذلك على الرغم من أن أحدهم أخبرني ذات يومٍ بأن هذه هي حال الدنيا التي لا تمنحك كل شيء تريده بل تمنحك ما هو في الصالح العام بالنسبة إليك وأما عدا ذلك وإن كنت تعتقد أنه فرحة بالنسبة إليك فإن الدنيا ستسلبه منك ولن تدع لك أي فرصة في محاولة الحصول على مبتغاك.

في حياتي، أستطيع كتابة المئات من الأسطر عن حالاتٍ كثيرة مررت من خلالها وكان الحزن والبكاء والشعور بفقدان الرجاء هي السمة الأبرز في هذه الحالات، ولكن إن أتيت على ذكر بعض المحاسن أو المشاعر الإيجابية والتي تجعل من يقرأها أو يشاهدها، أن يشعر بالرضا تجاه ذاته فإن القلم لا يستطيع التحرك ... وأصابع يدي لا تستطيع المرور على لوحة المفاتيح الخاصة بجهاز الحاسب المحمول لأجل الكتابة عن شيءٍ من هذا القبيل.

لربما هناك من يرى بقعة الضوء الصغيرة الجميلة في حياتي هي كالشمس المشرقة، لكن في حياتي أستطيع رؤية الظلام الدامس مثل ثقبٍ أسود ثائر، يريد التهام كل شيء يقع أمامه ولا يترك له فرصة الهرب أو حتى النجاة من هذا الظلام الدامس.

ولهذا الأمر، قد كتبت اليوم عن أن حياتي لا تستحق أن ينظر إليها بتلك النظرة المطولة من أجل دراستها أو تفحصها ومحاولة استخراج أي معلومةٍ مفيدةٍ منها، وأن أدعوه لكي يذهب ويرى لدى أشخاصٍ آخرين لربما لديهم ما يستحق أو يشجع ما بداخل النفس في الرؤية ومحاولة الاستفادة مما لديهم.

أما في حياتي، فأعتقد بأن العثور على المفيد والنافع أو بصيغة أخرى ما هو بشيءٍ ذا قيمة، أقرب ما يكون إلى المستحيل من كون وجوده واقعاً، وهي حقيقة يستطيع الإنسان الطبيعي إدراكها أو حتى الشعور بها.

ولا تشعر بالقلق حيال أن وقتك الثمين في قراءة هذه الأسطر قد ضاع سدى بل إن سبب كتابتي لما أردت كتابته إليكم هو أن أنقل إليكم عن حقيقة ما في داخلي، وإن كانت من وجهة نظركم أنها أوهامٌ تصيب الإنسان والتي تجعله يعتقد في قرارة نفسه بأن القيمة من تواجده بين البشر هو أمرٌ خالٍ من أي منفعة بل حتى يعتقد بأن تنفسه لهذا الأكسجين الذي يطفو على الأرض هو جريمةٌ في حد ذاتها. وأنه يجب عليه أن يخفض كثيراً من آثار هذا التواجد حتى لا يكون الاستهلاك بدون أي عائد.

لذلك فإنني أقول على سبيل أن أختم هذه الأسطر حتى لا يصيبك الإحباط أكثر أو حتى لا أتسبب في استهلاك المزيد من الأحرف بأن ما في حياتي هو مجرد تكرارٍ فقط لكل شيء سواءً في عدد مرات السقوط أو حتى عدد مرات المحاولة، وفي أحيانٍ كثيرة يكون تكراراً لنفس الآلام التي تؤذيني فيها هذه الدنيا والتي إن لم أستطع مقاومتها اليوم فليس أمامي من خَيارٍ آخر سوى التقبل بصدرٍ مليءٍ بالألم وأن في كل مرة تهطل دمعةً واحدةً من عيني، لا أحاول أن أدفعها لكي لا تسقط، بل أتركها تنزل على خدي بالرغم من سخونتها العالية وحملها لكثيرٍ من المشاعر بالأسى وذلك النحيب الصامت في أن يداي مكتفتان ولا تستطيع أن تعمل المزيد من الجهد أو المحاولات الإضافية لأجل الرغبة في التغيير.


 محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم

Tuesday, May 9, 2023

أنا فاشل

وحيداً أمام شاطئ البحر أجلس، أنظر إلى تلك المساحات الزرقاء الشاسعة أمام عيني في عتمة الليل السوداء، متأملاً في ذلك الفضاء البعيد أمام عيني وألف معركة تسري بداخلي، وكأن براكين الأرض جميعها تغلي بداخلي، وتلك الحمم اللاسعة تتأجج في ذاتي.

إنها صرخات متعددة إلا أنها تشترك في نداءٍ واحد "أنتَ شخصٌ فاشل"

ومع كل هذا الصراخ الذي يدوي بأنين ألمه في داخلي إلا أنني في هذه اللحظة أستمع إلى تلك الأغاني التي كنت أستمع إليها في طفولتي من خلال قناة شباب المستقبل والتي كانت مليئة بعبارات الأمل والنجاح والحلم والطموح والشغف ولكن برغم كل ذلك فقد فشلت وكان فشلي ذريعاً ومسلماً به.

وعلى الرغم أيضاً، من أن القاعدة المسلمة بها والتي تقول بأن الأشخاص الجيدين لا يشعرون بأنهم جيدين وأن الأشخاص السيئين يشعرون بأنهم جيدين، إلا أن شعوري تجاه ذاتي سواءً كنت شخصاً جيداً أم سيئاً هو الشعور ذاته وهو الشعور بأنني شخصٌ فاشل في نظر نفسي.

لا أعلم ما هو المعيار الذي صنفت به نفسي على أنني فاشل لكن طالما لم أستطع ترك ذلك الأثر أو البصمة الفارقة فأنا أعتبر نفسي تسليماً بأنني شخصٌ فاشل.

نعم أنا فاشل، على الرغم من انتاجي لأربعة أعمالٍ أدبية، أولها كانت عن رسالة التسامح والسلام بين الشعوب وأن أدعو الناس إلى ترك تلك النظرة التي تقسم البشر بناءً على معايير عنصرية وهي رسالة رائعة في أن تصل أصداءها إلى جميع أصقاع الأرض، وأما عن ثاني هذه الأعمال فهي القصة الفاشلة التي عشتها خلال مرحلة دراستي القصيرة خارج أرض الوطن، وعن العمل الأدبي الثالث فأستطيع القول بأنه عمل يدعو إلى النظر تجاه الصداقة من زوايا نظر مختلفة وأن أدع الآخرين يقرأون ما تعلمته عن الصداقة وأن أترك المجال لهم لكي يحكموا على هذه الرواية من منظورهم الشخصي تجاه الصداقة، وآخر هذه الأعمال فهو كما يطلبه المشاهدون أو لنقل القارئون الذين يرغبون في قراءة أمرٍ مختلف بلا رسالة أو هدفٍ في نهاية هذا العمل الأدبي والذي كنت أتحدث فيه عن متناقضات مختلفة تسري بداخل الإنسان ولا يعلم ما هي مصدرها أو لماذا يطرح تلك التساؤلات حول تلك الأفكار التي أوردتها في هذا العمل.

نعم أنا فاشل، على الرغم من قيامي بالسفر إلى 7 دول من حول العالم وبناء علاقات اجتماعية مع أشخاص من دول شقيقة وصديقة لوطني بالرغم من وجود أشخاص آخرين قد سافروا إلى عدد أكبر من هذا الرقم لكن العبرة في الغاية من السفر، هل لأجل بناء سيرة ذاتية مع أحد مواطني هذه الدولة التي تزورها أم من أجل رحلةٍ عابرة فقط لأجل اخبار الآخرين بأنك قد سافرت إلى تلك الدولة بعينها.

نعم أنا فاشل، لأن من يتابعني لا يتجاوزون الخمسة عشر شخصاً على الأرجح وذلك على منصات التواصل الاجتماعي والتي هي حديث العالم هذه الأيام وهي المكانة الحالية التي تستطيع من خلالها إبراز نفسك للعالم وأن تقول لما يربو على السبعة مليار نسمة ها أنا ذا.

نعم ... كلها علاماتٌ للفشل لأنني لا أستطيع النظر إلى ذاتي بعين الرضا.

أشعر بأنني لا أعيش في ذلك الزمان الذي أستطيع من خلاله أن أشعر بتقديري لذاتي.

لربما أنني سبقت هذا الزمن المنشود أو ربما هو من سبقني وفي المجمل فأنا لا أريد إلقاء اللوم على أحد كائناً من كان وجل ما أريده هو لملمة هذه الخيبة التي تسري بداخلي على الرغم من آثارها المزعجة التي تدفع ذاتي دوماً نحو الهاوية.

 

 محبكم

#أحمد_حسين_فلمبان

كاتب & محاسب

#إبتسامة_قلم